تشكل الأحداث الرياضية الكبرى، مثل الألعاب الأولمبية، فرصة نادرة للرياضيين والمدربين وحتى المواطنين العاديين للهروب من واقعهم الصعب في بلادهم. ففي نهاية دورة الألعاب الأولمبية في باريس، لم يعد أعضاء الوفدين الكونغولي والكوبي إلى بلديهم، مما يسلط الضوء على ظاهرة أصبحت شبه عادية في مثل هذه المناسبات.
وفقًا للإذاعة العامة الكندية، فإن “الأحداث الرياضية الكبرى غالبًا ما تكون الفرصة الوحيدة للسفر للرياضيين، والمدربين، والصحفيين، وحتى المواطنين العاديين، مما يجعل أي منافسة من هذا النوع فرصة لهم لمغادرة بلادهم”. هذه الظاهرة التي تكررت عبر عقود طويلة، تعكس رغبة العديد من الرياضيين في الهروب من الأوضاع الأمنية الصعبة والفقر أو الأنظمة الشمولية في بلدانهم.
في دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس، كان الوفد الكونغولي يضم ستة رياضيين في مراسم الافتتاح، ولكن في العرض الختامي يوم 11 أغسطس، تبقى منهم ثلاثة فقط. ووفقًا لقناة التلفزيون الكونغولية، فإن أداء جمهورية الكونغو الديمقراطية في الأولمبياد لم يكن سلبيًا فقط بسبب عدم إحراز أي ميدالية، ولكن أيضًا بسبب “فرار” عدد من اللاعبين. من أصل 36 شخصًا كانوا يشكلون الوفد، عاد 33 فقط إلى الوطن.
هذا الأمر ليس مقتصرًا على الوفد الكونغولي فقط، بل شمل أيضًا وفودًا أخرى مثل الوفد الكوبي. فبحسب وسائل الإعلام الكوبية “دياريو دي كوبا”، فإن لاعبة الجودو الكوبية دايلي أوجيدا غادرت باريس قبل بدء الألعاب ولم يُعثر على أي أثر لها منذ ذلك الحين. هذا التصرف يعكس الأوضاع الصعبة في بلدها الأصلي، حيث تواجه كوبا نقصًا حادًا وتضخمًا مفرطًا، بالإضافة إلى الحصار الأمريكي المفروض على البلاد منذ أكثر من ستين عامًا، مما يفاقم الأزمة بشكل كبير.
ليست هذه المرة الأولى التي يستغل فيها الرياضيون أو أعضاء الوفود الألعاب الأولمبية للهروب من بلادهم. فمنذ دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 1948، حيث رفضت مدربة فريق الجمباز التشيكوسلوفاكي ماريا بروفازنيكوفا مغادرة المملكة المتحدة، تكررت حالات الهروب. خلال الحرب الباردة، طلب 45 رياضيًا من الوفد المجري اللجوء في أستراليا بعد ألعاب 1956، عندما كان الشعب المجري ينتفض ضد سيطرة الاتحاد السوفيتي على بودابست.
في السنوات الأخيرة، كان هروب العداءة البيلاروسية كريستسينا تسيمنوسكايا خلال دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو 2021 من أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة. حصلت تسيمنوسكايا على تأشيرة إنسانية في بولندا وشاركت في الألعاب الأولمبية في باريس تحت العلم البولندي.
كوبا، على وجه الخصوص، شهدت أعلى نسبة من حالات الهروب بين رياضييها. فخلال العقد الماضي، فرّ 1,053 رياضيًا كوبيًا معظمهم للانضمام إلى أندية أجنبية. ومن بين الأمثلة الحديثة على ذلك، فرار الرياضي الكوبي جوردان أليخاندرو دياث فورتون قبل دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو. وقد حصل دياث لاحقًا على الجنسية الإسبانية وأصبح بطلًا أولمبيًا في القفز الثلاثي تحت علم إسبانيا في دورة باريس 2024.
تظل الألعاب الأولمبية، رغم كل ما تقدمه من فرص تنافسية، نافذة للهروب من واقع مرير للعديد من الرياضيين حول العالم، بحثًا عن حياة جديدة أكثر استقرارًا وأملاً.