وسط مناخ من الإحباط الشعبي، توجه الناخبون في إقليم كردستان العراق إلى صناديق الاقتراع صباح اليوم الأحد لانتخاب برلمان جديد. تُجرى هذه الانتخابات في ظل هيمنة مستمرة لحزبين رئيسيين يتنافسان على السلطة منذ عقود، هما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة أسرة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة أسرة طالباني. وعلى الرغم من الأجواء الانتخابية، يدين ناشطون حقوقيون ومعارضون الفساد وقمع الأصوات المعارضة وهيمنة الأحزاب الحاكمة على الموارد.
انتخابات مؤجلة وخلافات متجددة
بدأت عملية التصويت منذ ساعات الصباح الأولى لاختيار مئة عضو جديد في برلمان إقليم كردستان العراق، بعد تأجيلات متكررة. كان من المقرر إجراء هذه الانتخابات في عام 2022، لكنها تأجلت بسبب خلافات سياسية بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. وعلى الرغم من التأجيلات، فإن التوقعات تشير إلى أن الحزبين سيواصلان تقاسم السلطة كما هو الحال منذ أكثر من ثلاثة عقود.
أهمية الاستحقاق الانتخابي
تعتبر هذه الانتخابات محورية لتحديد مسار الإقليم، ليس فقط على مستوى اختيار أعضاء البرلمان، بل أيضًا على صعيد اختيار رئيس البرلمان ورئيس الوزراء وكذلك رئيس كردستان العراق، الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1991. يأتي هذا الاستحقاق في ظل تصاعد الانتقادات للقيادة الحالية واتهامات بغياب العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بشكل غير عادل.
هيمنة الحزبين وضعف المعارضة
رغم تصاعد الأصوات المطالبة بالتغيير، يُتوقع أن يواصل الحزبان الرئيسيان هيمنتهما على السلطة، في ظل ضعف المعارضة وعدم قدرتها على تشكيل جبهة موحدة قادرة على منافسة الحزبين. يقول المراقبون إن هذا الهيمنة المستمرة قد تعيق أي تحول ديمقراطي حقيقي، حتى مع وجود أحزاب صاعدة مثل “حركة الجيل الجديد” و”جبهة الشعب”.
في هذا السياق، أدلى نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، بصوته في أحد مراكز الاقتراع في أربيل، العاصمة الإقليمية، معبرًا عن أمله في أن “تُشكل حكومة موحدة بأسرع وقت وتنقل أوضاع المواطنين إلى نحو أفضل”. وتعد هذه التصريحات إشارة إلى الرغبة في إنهاء حالة الجمود السياسي وتشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه الإقليم.
تحديات وثقة الناخبين
تواجه انتخابات اليوم تحديات تتعلق بثقة الناخبين في العملية السياسية، خاصة بعد تأجيل الانتخابات لعدة مرات. يشعر العديد من المواطنين بالإحباط من قدرة هذه الانتخابات على تحقيق تغيير حقيقي، ويرجع البعض ذلك إلى سيطرة الحزبين الكبيرين على مؤسسات الدولة واستمرار الفساد والمحسوبية، ما ينعكس سلبًا على مستوى الخدمات العامة، مثل انقطاع الكهرباء وتأخر صرف الرواتب.
من جانب آخر، شهدت الانتخابات مشاركة واسعة من المرشحين المستقلين، الذين بلغ عددهم 84 مرشحًا، بينهم شخصيات عشائرية ونشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، تبدو فرص هؤلاء المرشحين ضعيفة بسبب النظام الانتخابي الذي يُفضل القوائم الحزبية ويصعب من فرصة فوز المستقلين.
إغلاق صناديق الاقتراع وتوقعات النتائج
من المتوقع أن تُغلق مراكز الاقتراع في الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي (1500 بتوقيت غرينتش)، ليبدأ بعدها عد الأصوات وإعلان النتائج الأولية. يرى المحللون أن النتائج قد لا تحمل مفاجآت كبيرة، حيث يُتوقع أن يستمر الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في الهيمنة على المشهد السياسي، وإن كانت بعض الأحزاب الجديدة قد تنجح في زيادة حصتها.
مستقبل الأحزاب وخريطة جديدة
تتنافس في هذه الانتخابات عدة قوى سياسية تسعى لكسر هيمنة الحزبين التقليديين، مثل “حركة الجيل الجديد” و”جبهة الشعب” بقيادة لاهور شيخ جنكي. رغم أن تأثير هذه الأحزاب لا يزال محدودًا، إلا أنها تسعى لكسب دعم الشباب والمستائين من الوضع الحالي.
أما الإسلاميون، فيمثلهم “الاتحاد الإسلامي الكردستاني” و”الجماعة الإسلامية”، وهما يسعيان للاحتفاظ ببعض المقاعد في البرلمان الجديد، إلا أن نفوذهم تراجع مقارنة بالانتخابات السابقة.
نحو مرحلة جديدة أم استمرار للوضع القائم؟
تظل سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة في كردستان العراق غامضة، حيث ستعتمد بشكل كبير على نتائج الانتخابات وما ستسفر عنه من تحالفات. ومع تصاعد الضغوط الدولية والخلافات مع بغداد، يأمل البعض في أن تساهم هذه الانتخابات في إحداث تغيير حقيقي وتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية، في حين يتوقع آخرون أن يستمر الوضع على ما هو عليه.
وسط آمال التغيير ومخاوف استمرار هيمنة القوى التقليدية، ينتظر المواطنون في كردستان نتائج هذه الانتخابات التي قد تكون مفصلية في مستقبل الإقليم، وتفتح الباب أمام تحول جديد في المشهد السياسي أو تعيد تثبيت الوضع القائم لسنوات قادمة.