سقوط الأسد: هل يقود تحالف تركيا وهيئة تحرير الشام إلى استقرار البلاد أم جرها إلى أزمة جديدة؟

لقاء الجولاني و فيدان في قصر الشعب بدمشق. REUTERS

دال ميديا: مع سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة جديدة من التحولات السياسية والعسكرية التي تعيد تشكيل ملامح البلاد. هيئة تحرير الشام، بقيادة أبو محمد الجولاني، باتت تسيطر على الساحة السياسية والعسكرية بدعم ضمني من تركيا، التي تسعى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة. هذه التحولات لا تعيد فقط صياغة موازين القوى داخل سوريا، لكنها تُبرز أيضًا الأجندات الإقليمية والدولية التي تسعى للاستفادة من الواقع الجديد.

التحالف التركي مع هيئة تحرير الشام ودوره في رسم ملامح المستقبل

زيارة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى دمشق جاءت لتثبيت النفوذ التركي وتأكيد دور أنقرة كلاعب أساسي في المشهد السوري. خلال مؤتمر صحفي مشترك مع أبو محمد الجولاني، أعرب فيدان عن توافقه مع الإدارة الجديدة على ضرورة حل جميع الفصائل المسلحة وتسليم أسلحتها للدولة. وأكد الوزير التركي أن “لا مكان لمسلحي حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في مستقبل سوريا”، في إشارة واضحة إلى الأولوية التركية في القضاء على أي تهديد كردي قرب حدودها الجنوبية.

من جانبه، أكد الجولاني على رؤية الإدارة الجديدة التي تركز على إنهاء وجود السلاح خارج سلطة الدولة، بما في ذلك في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). تصريحات الجولاني وفيدان عكست تقاربًا تركيًا مع الإدارة الجديدة في سوريا، حيث يهدف هذا التحالف إلى خلق بيئة سياسية وعسكرية تسهم في تحقيق الاستقرار، وفقًا للرؤية التركية، مع استبعاد كامل للأكراد من أي دور مستقبلي.

تحديات الأكراد بين فقدان النفوذ والضغوط الدولية

التغيرات الجديدة في سوريا تضع الأكراد في مواجهة تحديات غير مسبوقة. بعد أن لعبت قوات سوريا الديمقراطية دورًا حاسمًا في محاربة تنظيم داعش واستطاعت تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، تواجه الآن ضغوطًا متزايدة من تركيا وهيئة تحرير الشام. إعلان الجولاني عن “حل الفصائل المسلحة في مناطق قسد” يمثل تهديدًا مباشرًا لهذه القوات، حيث يعكس نية الإدارة الجديدة في القضاء على أي وجود عسكري كردي.

بالإضافة إلى ذلك، تُظهر تصريحات هاكان فيدان أن تركيا لن تسمح بقيام أي نظام فيدرالي أو حكم ذاتي للأكراد في سوريا. هذه السياسة تهدف إلى منع أي امتداد لحزب العمال الكردستاني داخل الأراضي السورية. ومع غياب دعم دولي صريح لقوات قسد بعد سقوط نظام الأسد، يبدو أن الأكراد يفقدون تدريجيًا قدرتهم على التأثير في المشهد السوري.

التطلعات المستقبلية بين رفع العقوبات وإعادة الإعمار

المرحلة الجديدة في سوريا تحمل آمالًا لإعادة بناء الدولة بعد سنوات من الحرب. خلال المؤتمر الصحفي، شدد هاكان فيدان على أن “المرحلة الحالية تمثل فرصة لسوريا لبناء اقتصادها والتخلص من الإرهاب، مما يمهد الطريق لرفع العقوبات الدولية عنها”. هذا الطرح يعكس رغبة تركية في تسويق الإدارة الجديدة كمشروع مستقر يمكن للمجتمع الدولي دعمه.

ومع ذلك، يواجه هذا المشروع تحديات كبيرة، أبرزها تحقيق اعتراف دولي بالإدارة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام، التي لا تزال تُعتبر منظمة متطرفة لدى العديد من الدول. على الرغم من ذلك، يبدو أن تركيا ترى في الوضع الحالي فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي، مع الحفاظ على استقرار المناطق الحدودية وضمان عدم ظهور تهديد كردي جديد.

خاتمة

يُعيد سقوط نظام الأسد تشكيل الواقع السياسي والعسكري في سوريا بشكل جذري. التحالف بين تركيا وهيئة تحرير الشام يهدف إلى تحقيق استقرار مشروط يخدم المصالح التركية والإقليمية، لكنه يفرض تحديات كبيرة على الأكراد، الذين يجدون أنفسهم محاصرين سياسيًا وعسكريًا. في ظل هذا الواقع، يبقى مستقبل سوريا رهينًا للتفاهمات الإقليمية والدولية، حيث تتشابك المصالح وتتقاطع الأجندات.

المزيد من المواضيع