دال ميديا: في سوق العمل السويدي، حيث يُفترض أن تكون المساواة وعدم التمييز من القيم الأساسية، تعاني العديد من النساء الأكبر سنًا من إقصاء غير معلن يهدد مسيرتهن المهنية. إحدى هذه الحالات هي ماري-لويز كانون، 58 عامًا، التي وجدت نفسها مضطرة لإخفاء عمرها من سيرتها الذاتية حتى تحصل على فرصة مقابلة عمل، بعد شهور من التجاهل التام لطلباتها الوظيفية، وفقا لما ذكرته في مقابلة مع قناة tv4.
“كنت أعتقد أنني في قمة عطائي المهني”
بعد أن فقدت وظيفتها بسبب إفلاس الشركة التي كانت تعمل بها في نهاية عام 2022، دخلت ماري-لويز سوق العمل بثقة، نظرًا لخبرتها الطويلة في الإدارة والتواصل المؤسسي، لكنها فوجئت بأن عمرها تحول إلى عائق غير مرئي يقف أمام حصولها على وظيفة جديدة.
“كنت أعتقد أنني في أفضل مرحلة مهنية. لدي سنوات من الخبرة، ومهارات قيادية، وقدرة على التعامل مع الأزمات واتخاذ القرارات. لكنني لم أحصل حتى على فرصة مقابلة واحدة، رغم أنني كنت أتقدم لـ25 وظيفة شهريًا”، تقول ماري-لويز.
إخفاء العمر فتح الباب أمام الفرص
بعد شهور من الإحباط، قررت ماري-لويز إزالة تاريخ ميلادها من سيرتها الذاتية، وكانت النتيجة مفاجئة: “بعد أسبوع واحد فقط، تلقيت دعوة لمقابلة عمل. لم أصدق أن الفرق كان فقط في العمر المكتوب في السيرة الذاتية!”
لكن الفرحة لم تدم طويلًا، حيث أجرت مقابلة عبر الفيديو، وبعدها لم تسمع أي رد من الشركة، وهو ما تكرر معها مرتين أخريين عندما استخدمت نفس الحيلة.
“شعرت وكأنني فقدت هويتي. العمل ليس مجرد وسيلة لكسب العيش، بل هو جزء من شخصيتي وقيمتي. عندما يتم استبعادك فقط بسبب عمرك، فهذا شعور مدمر”، تضيف ماري-لويز.
“لا نريد امرأة في سن اليأس” – تعليق صادم يكشف التمييز الصارخ
كشف تحقيق أجرته Aller Media عن انتشار التمييز العمري ضد النساء في السويد، وخاصة ضد من تجاوزن سن الـ50. مئات النساء شاركن في التحقيق، وأكدت بعضهن أنهن تعرضن لتعليقات جارحة أثناء التقدم للوظائف.
من أكثر التعليقات الصادمة، ما نقله التحقيق عن أحد المدراء التنفيذيين الذي قال بصراحة: “نحن لا نريد امرأة في سن اليأس”. هذا النوع من العقلية السائدة يعكس تمييزًا مزدوجًا ضد النساء، حيث لا يقتصر الأمر على العمر فقط، بل يشمل أيضًا النظرة النمطية المرتبطة بالتغيرات البيولوجية للمرأة.
السويد.. الأسوأ في الدول الاسكندنافية من حيث إعادة توظيف كبار السن
رغم أن السويد تُعرف بأنها من أكثر الدول تقدمًا في مجال المساواة وحقوق العمل، إلا أن الأرقام تكشف واقعًا مختلفًا. وفقًا لبيانات يوروستات، فإن نسبة نجاح العاطلين عن العمل في الفئة العمرية (55-74 عامًا) في العثور على وظيفة جديدة خلال فصلين متتاليين لا تتجاوز 16% في السويد، مقارنة بـ:
- 33% في الدنمارك
- 28% في النرويج
- 22% في أيسلندا
- 19% في فنلندا
هذه الأرقام تضع السويد في ذيل قائمة الدول الاسكندنافية من حيث إعادة دمج كبار السن في سوق العمل، وهو ما يثير تساؤلات حول فعالية سياسات التوظيف العادل.
أزمة حقيقية تحتاج إلى حلول عاجلة
يشير خبراء سوق العمل إلى أن التقدم في العمر لا ينبغي أن يكون عائقًا أمام فرص العمل، بل على العكس، يجب أن يكون عنصر قوةنظرًا للخبرة والمهارات التي يتمتع بها الأفراد الأكبر سنًا.
لكن الواقع في السويد يعكس تمييزًا مستترًا، حيث لا يوجد قانون يمنع أصحاب العمل من رفض المرشحين بناءً على العمر، ما يجعل النساء فوق الـ50 عرضة للإقصاء دون أي مبرر واضح.
يرى بعض الباحثين أن الحل يكمن في إلزام الشركات بإدراج نسبة معينة من الموظفين الأكبر سنًا في فرق العمل، تمامًا كما يتم تطبيق نظام الحصص الجندرية في بعض الشركات لضمان تمثيل المرأة.
“هل نحن بحاجة إلى إخفاء أعمارنا لنحصل على فرصة؟”
ماري-لويز وآلاف النساء مثلها يطرحن اليوم تساؤلًا جوهريًا: “لماذا علينا أن نخفي أعمارنا لنحصل على فرصة عادلة؟”
في بلد يعتبر نفسه رائدًا في حقوق الإنسان والمساواة، هل يمكن أن يستمر هذا التمييز؟ أم أن الوقت قد حان لتغيير سياسات التوظيف وجعل سوق العمل أكثر إنصافًا لكبار السن، وخاصة النساء؟