دال ميديا: في تطور يُنذر بتصعيد سياسي غير مسبوق، أعلنت السلطات التركية، يوم الأربعاء، اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أبرز رموز المعارضة وأحد أكثر الشخصيات السياسية نفوذًا في البلاد، في إطار تحقيقات تتعلق بمزاعم فساد و”صلات إرهابية”، وفقًا لما أوردته وكالة الأناضول الرسمية.
ويُعد هذا الاعتقال تصعيدًا حادًا في حملة القمع التي تشنها حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان ضد المعارضة السياسية، بعد سلسلة من الخسائر التي مُني بها الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية الأخيرة.
توسيع دائرة الاعتقالات وفرض القيود الأمنية
وذكرت وكالة الأناضول أن النيابة العامة أصدرت أوامر توقيف بحق إمام أوغلو وأكثر من 100 شخص آخرين، من بينهم مستشاره الإعلامي مراد أونغون. وفي تغريدة له عبر منصة “إكس”، أكد أونغون أن رئيس بلدية إسطنبول “محتجز” دون تقديم توضيحات رسمية بشأن أسباب الاعتقال.
وفي إجراء احترازي، أغلقت السلطات عدة طرق رئيسية في المدينة، وفرضت حظرًا على المظاهرات لمدة أربعة أيام تحسبًا لاندلاع احتجاجات شعبية واسعة.
اتهامات سياسية ومعركة على الرئاسة
جاء هذا الاعتقال بعد أشهر قليلة من الهزيمة الكبيرة التي تلقاها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية، والتي عززت من موقع إمام أوغلو كأبرز المرشحين المحتملين للرئاسة، خصوصًا مع تنامي الدعوات لإجراء انتخابات وطنية مبكرة.
وفي تطور يُنظر إليه على أنه محاولة لإقصائه سياسيًا، أعلنت جامعة إسطنبول إلغاء شهادة إمام أوغلو الجامعية بدعوى وجود مخالفات في انتقاله عام 1990 من جامعة خاصة في قبرص الشمالية، وهو ما قد يحرم إمام أوغلو من الترشح للرئاسة، نظرًا لشرط الشهادة الجامعية المنصوص عليه في الدستور التركي.
وقال إمام أوغلو في رسالة مصوّرة على وسائل التواصل الاجتماعي:
“نواجه طغيانًا واضحًا، لكنني لن أتراجع. ما يحدث هو اغتصاب لإرادة الشعب.”
المعارضة ترد: “انقلاب سياسي”
من جانبه، وصف رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، اعتقال إمام أوغلو بأنه “محاولة انقلاب صريحة ضد الإرادة الشعبية”، مشيرًا إلى أن السلطة تسعى بكل الطرق لمنع ترشح إمام أوغلو للرئاسة المقبلة.
وقال:
“نواجه سلطة تسعى لمنع الأمة من اختيار رئيسها القادم. هذا انقلاب سياسي مكتمل الأركان.”
الصحافة ليست بمنأى عن القمع
بالتزامن مع الحملة ضد المعارضة، احتجزت الشرطة الصحفي الاستقصائي البارز إسماعيل سايماز، بحسب ما أوردته قناة “هالك تي في” المعارضة، ما يعكس امتداد حملة القمع إلى الإعلام أيضًا.
ملفات قضائية متراكمة ضد إمام أوغلو
يواجه إمام أوغلو أيضًا عدة دعاوى قضائية، منها مزاعم بالتأثير على تحقيق قضائي يخص بلديات المعارضة، كما لا يزال يستأنف إدانته السابقة عام 2022 بتهمة إهانة أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات، وهي قضية قد تؤدي إلى حظره من العمل السياسي.
من رمز للمعارضة إلى سجين سياسي؟
فوز إمام أوغلو بمنصب رئيس بلدية إسطنبول في 2019 مثّل صفعة قوية لأردوغان، الذي خسر بذلك السيطرة على أكبر مدينة في تركيا لأول مرة منذ ربع قرن. وعلى الرغم من محاولات الحزب الحاكم إلغاء نتائج الانتخابات، أعاد الناخبون انتخاب إمام أوغلو بأغلبية أكبر في الإعادة، وكرر النجاح في الانتخابات المحلية الأخيرة.
إلا أن اعتقاله الآن يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل الديمقراطية في تركيا، وإمكانية خوض انتخابات نزيهة في ظل هذه الأجواء المتوترة.