جدل سياسي في دمشق بعد توقيع “الإعلان الدستوري”… الإدارة الذاتية الكردية تندد: “عودة إلى حقبة البعث تحت عباءة جديدة

الرئيس السوري خلال جلسة الاعلان الدستوري.

في تطور سياسي يعكس عمق التباينات داخل المشهد السوري المتغير، فجّرت الإدارة الذاتية الكردية، اليوم الخميس، موجة من الانتقادات ضد “الإعلان الدستوري” الذي وقّعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، واصفة إياه بأنه “نكسة للتعددية” وعودة إلى “أساليب الحكم الشمولي التي ميّزت عقوداً من هيمنة حزب البعث”.

ويأتي هذا الموقف بعد يومين فقط من اتفاق مفصلي بين الإدارة الذاتية الكردية والسلطات السورية الجديدة بشأن دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق البلاد ضمن بنية الدولة، ما يسلّط الضوء على هشاشة التوافقات السياسية في المرحلة الانتقالية المرتقبة.

بيان صادم: الإعلان الدستوري لا يُمثل سوريا المتنوعة

وجاء في بيان الإدارة الذاتية الكردية:

“الإعلان الدستوري الموقع يتنافى مع حقيقة سوريا وحالة التنوع الغني فيها، إذ يخلو من الإشارة إلى مكونات أساسية من الشعب السوري، وفي مقدمتهم الكرد والعرب ومكونات أخرى شكلت عبر عقود نسيج البلاد”.

وأضاف البيان بلهجة حازمة أن “ما احتواه الإعلان من بنود ومقاربات يُعيد إنتاج العقلية المركزية التي حكمت البلاد في ظل حكومة البعث، دون أي اعتبار لتجربة العقد الأخير وما أفرزته من مطالب شعبية بالتعددية والديمقراطية واللامركزية”.

تفاصيل الإعلان الدستوري: سلطات منفصلة أم سلطة مركزة؟

وكان الرئيس أحمد الشرع قد صادق، مساء الأربعاء، على “الإعلان الدستوري” في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، بعد عرض قدمه عبد الحميد العواك، أحد أعضاء لجنة الصياغة التي تم تكليفها بداية الشهر الجاري.

وتضمنت مسودة الإعلان مجموعة من البنود الجوهرية التي ستحدد شكل المرحلة الانتقالية، أبرزها:

  • الفصل المطلق بين السلطات، بعد انتقادات طويلة لتغوّل السلطة التنفيذية سابقاً.
  • مجلس الشعب سيُمنح سلطة التشريع الكاملة، مع احتفاظ الرئيس بحق تعيين ثلث أعضائه، ما أثار تساؤلات حول مدى استقلاليته الفعلية.
  • المرحلة الانتقالية حُدّدت بخمس سنوات، وهي فترة يرى مراقبون أنها طويلة بما يكفي لإعادة ترتيب منظومة الحكم.
  • الرئيس يحتفظ بسلطة إعلان حالة الطوارئ بموافقة “مجلس الأمن القومي”، في صلاحية تُذكّر كثيرين بعقود الطوارئ السابقة التي خنقت الحريات العامة.

توازن هشّ في مرحلة انتقالية معقدة

وتأتي هذه التعديلات في وقت تشهد فيه سوريا تحولات دراماتيكية بعد الإطاحة بالنظام السابق، وسط تحديات داخلية وإقليمية معقدة. وكان اتفاق الإدارة الذاتية ودمشق قد اعتُبر خطوة مفصلية نحو بناء سوريا جديدة متعددة المكونات، إلا أن صدور الإعلان الدستوري بهذه الصيغة أعاد إشعال المخاوف من تهميش الكرد وغيرهم من الأقليات.

الانتقادات الكردية توحي بأن الطريق نحو المصالحة الوطنية وبناء عقد اجتماعي جديد لا يزال محفوفاً بالعقبات، وأن التفاهمات السياسية تحتاج إلى ترجمة دستورية تُنصف الجميع لا أن تعيد إنتاج الهيمنة القديمة بثوب جديد.

المرحلة القادمة: توافقات أم تصدعات؟

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن التحدي الأبرز أمام الحكومة الانتقالية هو إيجاد صيغة دستورية جامعة تُرضي كل المكونات دون الرجوع إلى المركزية المفرطة أو هيمنة جهة على أخرى. فهل تنجح دمشق في تدارك الموقف وتحقيق توازن فعلي؟ أم أن التصدعات السياسية ستتسع وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء؟

الأيام القادمة وحدها ستكشف مآلات هذا الصراع الصامت بين النوايا الإصلاحية والطموحات الهيمنية.

المزيد من المواضيع