طوكيو تبني ‘كاثدرائية’ تحت الأرض… ولكن ليست للصلاة: أضخم وأغلى مشروع للتحكم بتصريف المياه تحت المدينة!

تواجه طوكيو تحديًا كبيرًا مع تزايد هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات الموسمية، حيث أصبح النظام الحالي لتصريف المياه على وشك الوصول إلى أقصى طاقته. وللتعامل مع هذا التحدي، تبني المدينة واحدًا من أكبر أنظمة الأنفاق تحت الأرض في العالم لتوجيه المياه بعيدًا عن الشوارع والمباني.

طوكيو وأمطارها الموسمية: تحديات الطبيعة والهندسة

تتعرض طوكيو سنويًا لأمطار غزيرة وأعاصير، ما يضع المدينة في خطر الفيضانات بشكل مستمر. تقع المدينة في منطقة منخفضة بالقرب من مستوى سطح البحر، وتضم مناطق مكتظة بالبناء وأسطحًا صلبة تمنع تسرب المياه إلى الأرض. كل هذا يجعل نظام تصريف المياه ضرورة حتمية لحماية السكان والبنية التحتية من الأضرار.

يقول لارس ثيل ماركلوند، الباحث المتخصص في مجال التكيف مع تغير المناخ في معهد الأبحاث السويدي “RISE”، إن “تخطيط المدن غير المثالي على مدى عقود قد غير مسارات تدفق المياه الطبيعية وقلل من فرص تسربها في الأرض، مما أجبر طوكيو على بناء أنفاق ضخمة. لم يكن هذا الحل هو الأمثل، لكنه كان الحل الوحيد المتاح”.

الكهف تحت الأرض: مشروع “الكاثدرائية تحت الأرض” في طوكيو

مشروع “Metropolitan Outer Area Underground Discharge Channel” أو كما يُطلق عليه “الكاثدرائية تحت الأرض”، يُعدّ معلمًا هندسيًا يجذب اهتمام الزوار من جميع أنحاء العالم. يتميز المشروع بقدرة تخزينية هائلة تصل إلى 250,000 متر مكعب من المياه، ويضم 59 عمودًا يبلغ ارتفاع كل منها 18 مترًا ويزن 500 طن.

عند ارتفاع مستويات المياه في الأنهار المجاورة، يتم تحويل المياه الزائدة إلى هذا النظام من خلال أنفاق تحت الأرض تمتد لمسافة 6.3 كيلومترات. ثم تُجمع المياه في خزان ضخم قبل أن يتم ضخها إلى نهر إيدوغاوا ومنه إلى المحيط.

سلسلة من الانفاق العالية تحت الأرض.

مشروع مكلف وضروري

اكتمل بناء نظام الحماية من الفيضانات في عام 2006، وبلغت تكلفته حوالي 18 مليار كرونة سويدية. منذ تشغيله، تم تفعيل النظام 147 مرة لتفادي أضرار الفيضانات. وتقدّر وزارة البنية التحتية اليابانية أن هذا النظام قد ساهم في تجنب أضرار بقيمة 10.5 مليار كرونة سويدية.

يقول لارس ثيل ماركلوند: “هذا استثمار ضخم لم يتم تسديد تكاليفه بعد، فهو لا يقتصر على البناء فقط بل يتطلب صيانة وتشغيل مستمرين. لكن في حالة طوكيو، يمكن تبرير هذه التكاليف بسبب الوضع الاستثنائي الذي تعيشه المدينة في مواجهة الفيضانات”.

التكيف مع تغير المناخ: حلول مختلفة لبيئات مختلفة

يؤكد ماركلوند أن التكيف مع تغير المناخ يجب أن يتماشى مع الظروف الجغرافية والهيكلية لكل منطقة. في السويد، على سبيل المثال، تُعتمد استراتيجيات متعددة لتقليل خطر الفيضانات من خلال توجيه المياه إلى مناطق يمكن أن تستوعبها، بدلاً من الاعتماد الكلي على أنظمة الصرف تحت الأرض التي قد تصل إلى طاقتها القصوى بسرعة.

ومن بين هذه الحلول، إنشاء مساحات متعددة الوظائف مثل حدائق التزلج والملاعب التي تتحول إلى مناطق لتجميع المياه خلال الأمطار الغزيرة. كما تُستخدم المواد القابلة لاختراق المياه بدلاً من الأسفلت الصلب، مما يتيح تسرب المياه إلى الأرض بشكل أفضل.

أهمية التخطيط المستدام: دروس من طوكيو للعالم

يُظهر مشروع طوكيو أهمية التخطيط المسبق والاستثمار في البنية التحتية لحماية المدن من آثار تغير المناخ. بينما تُفضل العديد من الدول الحلول المستدامة متعددة الأغراض مثل المتنزهات القريبة من الأنهار، قد تكون المشاريع الضخمة مثل “الكاثدرائية تحت الأرض” الخيار الوحيد في المدن الكبرى المكتظة مثل طوكيو.

إن تجربة طوكيو تقدم دروسًا مهمة حول كيفية التعامل مع الأزمات المناخية وتوفير الحماية للسكان والبنية التحتية، وتذكرنا بأن الاستثمار في الحلول الوقائية قد يكون أفضل من التعامل مع الأضرار بعد وقوع الكارثة.

المزيد من المواضيع