في ضواحي العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، وتحديدًا في حي “تينغبييرغ”، تحققت قصة نجاح غير مسبوقة. المنطقة التي كانت تُعرف سابقًا بأنها واحدة من “أصعب الأحياء” في الدنمارك، شهدت تحولا جذريًا بفضل مدرسة كانت تُعتبر سابقًا جزءًا من المشكلة، لكنها أصبحت اليوم نموذجًا ملهمًا يحتذى به.
في الماضي، كانت “تينغبييرغ” تُصنف كمنطقة شديدة الخطورة، حيث كانت معدلات الجريمة والبطالة مرتفعة، والدخل منخفضًا، مع تزايد معدلات التسرب من المدارس. مدرسة “تينغبييرغ”، التي كانت تعاني من سوء السمعة وانخفاض مستوى التعليم، كانت تعكس هذا الواقع القاسي. الطلاب كانوا يواجهون تحديات هائلة، ومعظمهم لم يكن يكمل تعليمه الثانوي.
لكن اليوم، تلك المدرسة التي كانت يومًا ما ترمز إلى الفشل أصبحت عنوانًا للنجاح. في العام الماضي، تمكنت المدرسة من تحقيق إنجاز غير مسبوق، حيث انتقل جميع طلابها إلى التعليم الثانوي، وهي نتيجة مذهلة لم تكن ممكنة بدون تغييرات جذرية.
ماركو دامغارد، مدير المدرسة، كان وراء هذا التحول الكبير. برؤية واضحة وإيمان راسخ بقدرات الشباب، قاد دامغارد المدرسة في رحلة تغيير شاملة. دامغارد، الذي قرر مؤخرًا الترشح للبرلمان عن الحزب الاشتراكي الدنماركي، يرى أن نجاح المدرسة لم يكن نتيجة الصدفة، بل نتيجة لإيمان حقيقي بقدرات الطلاب وعمل دؤوب لخلق بيئة تعليمية إيجابية.
وأضاف دامغارد: “لقد أدركنا أن مفتاح النجاح يكمن في تغيير طريقة تفكيرنا تجاه الشباب. كان علينا أن نؤمن بأن كل طالب لديه إمكانيات هائلة، وأن دورنا هو مساعدته على اكتشاف هذه الإمكانيات وتطويرها.”
من أجل تحقيق هذا التحول، حصلت المدرسة على تمويل إضافي من بلدية كوبنهاغن، مما سمح بتوظيف المزيد من المعلمين وتقديم دعم إضافي للطلاب. كما تم تعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المحلي، بما في ذلك النوادي الرياضية ومراكز الشباب، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من عملية دعم الطلاب.
لكن التغيير لم يكن محصورًا في الموارد المادية فقط. فقد أجرت المدرسة أيضًا تغييرات كبيرة في المناهج الدراسية وفي كيفية تدريس القيم الدنماركية والديمقراطية. وركزت المدرسة على بناء شعور قوي بالانتماء لدى الطلاب، مما ساهم في تحسين بيئتهم الاجتماعية والنفسية.
النتائج كانت ملموسة: تحسين ملحوظ في مستوى الرضا بين الطلاب، انخفاض معدلات الجريمة بين الشباب في المنطقة، وازدياد كبير في نسبة الطلاب الذين ينتقلون إلى التعليم الثانوي. هذه الإنجازات جعلت من “تينغبييرغ” قصة نجاح يحتذى بها، ليس فقط في الدنمارك بل على مستوى أوروبا.
اليوم، تُعد “تينغبييرغ” رمزًا للأمل والتغيير. المدرسة التي كانت يومًا ما ترمز إلى الفشل، أصبحت الآن مصدر فخر للحي، ودليلًا على أن الإيمان بقدرات الشباب والعمل الجاد يمكن أن يغير مصير المجتمعات.
إنها قصة تُثبت أن التعليم ليس مجرد دروس وكتب، بل هو عملية شاملة تبني الإنسان، وتفتح أمامه أبواب المستقبل المشرق.
المصدر: SVT