دال ميديا: كشف علماء الفلك عن تفاصيل مثيرة حول نشأة اثنين من أضخم الأخاديد على سطح القمر، واللذين تكوّنا نتيجة اصطدام هائل لكويكب أو مذنّب قبل 3.8 مليار سنة بالقرب من القطب الجنوبي للقمر. ووفقًا لما أفاد به معهد إمبريال كوليدج في لندن، فإن هذا الاصطدام العنيف تسبب في إطلاق طاقة تعادل 130 مرة إجمالي الترسانة النووية العالمية، ما أدى إلى تشكيل فوهة “شرودنغر” العملاقة وانبثاق الأخدودين اللذين عُرفا باسم “فالس شرودنغر” و”فالس بلانك”.
اصطدام عنيف لم يشهد مثله كوكب الأرض
وفقًا للدراسة التي قادتها العالمة دانييل كالينبورن من إمبريال كوليدج لندن، فإن النتائج أظهرت أن قوة الاصطدام والطاقة الناتجة عنه تفوق أي حدث طبيعي أو جيولوجي وقع على سطح الأرض. وأوضحت كالينبورن أن الأخاديد القمرية أوسع وأعمق بكثير من “غراند كانيون” في الولايات المتحدة، حيث يبلغ طول “فالس شرودنغر” 270 كم وعمقه 2.7 كم، بينما يمتد “فالس بلانك” على مسافة 280 كم بعمق يصل إلى 3.5 كم.
تحليل البيانات باستخدام تقنيات حديثة
استعان الفريق العلمي ببيانات من مسبار Lunar Reconnaissance Orbiter التابع لـ ناسا، حيث تم تحليل صور القمر وقياسات الارتفاعات، مما مكّن الباحثين من فهم ديناميكيات الاصطدام بشكل أدق. وبيّنت الدراسة أن المواد التي قُذفت بفعل الاصطدام كانت تسير بسرعة هائلة، مما أدى إلى تشكّل هذه الأخاديد على الفور تقريبًا، على عكس العمليات الجيولوجية على الأرض التي تستغرق ملايين السنين.
دور حاسم في مستقبل بعثات ناسا إلى القمر
تشير الدراسة إلى أن هذه النتائج قد تلعب دورًا أساسيًا في برنامج “أرتميس” التابع لناسا، والذي يهدف إلى إرسال رواد فضاء إلى القطب الجنوبي للقمر في السنوات المقبلة. حيث يمكن لهذه الأخاديد أن توفر عينات صخرية نادرة تعود إلى المراحل الأولى من تكوّن القمر، مما قد يساعد في فهم تاريخ تكوين الأرض والنظام الشمسي.
وأعرب الجيولوجي كارل أولمارك من جامعة لوند عن أهمية الاكتشاف قائلاً:
“هذه المنطقة قد تكون بمثابة “كبسولة زمنية” يمكن أن تكشف عن تفاصيل مذهلة حول تطور القمر، بل وربما الأرض نفسها”.
تشابه مع فوهة كارثية أدت لانقراض الديناصورات
توصل الباحثون أيضًا إلى أن “فوهة شرودنغر” تشبه إلى حد كبير “فوهة تشيكشولوب” في المكسيك، وهي الفوهة التي نشأت قبل 66 مليون عام عندما اصطدم كويكب ضخم بالأرض، متسببًا في انقراض الديناصورات. غير أن الفرق الأساسي يكمن في أن فوهة شرودنغر لم تتعرض لعوامل التعرية أو التغطية بالرسوبيات، ما يجعلها فرصة فريدة لدراسة تأثيرات الاصطدامات الكبرى.
مستقبل الأبحاث القمرية
من المتوقع أن تؤدي هذه النتائج إلى موجة جديدة من الأبحاث حول الجيولوجيا القمرية، حيث يتطلع العلماء إلى إجراء مزيد من الاستكشافات المباشرة للأخاديد القمرية في مهمات مستقبلية. ويأمل الباحثون أن تساعد هذه الدراسات في توفير معلومات أكثر دقة حول كيفية نشوء الأجرام السماوية، إضافة إلى إمكانية استخدام القمر كمختبر طبيعي لدراسة أحداث الاصطدامات الكونية الكبرى.
يظل هذا الكشف العلمي بمثابة خطوة مهمة نحو فهم أكثر عمقًا لكيفية تطور سطح القمر وتأثيرات الاصطدامات العنيفة على الأجرام السماوية، مما قد يساعد في الإجابة عن العديد من الأسئلة المتعلقة بنشأة النظام الشمسي ككل.