مع استمرار الصراع في أوكرانيا وتصاعد وتيرته منذ بداية الغزو الروسي عام 2022، أصبحت مشاركة الدول الأوروبية، سواء من خلال الدعم الرسمي أو مشاركة مواطنيها، محور جدل واسع. يعكس الدعم الأوروبي تنوعًا في الأساليب التي تتراوح بين الإمدادات العسكرية والسماح بمشاركة الأفراد في القتال. نستعرض في هذا التقرير مواقف بعض الدول الأوروبية البارزة، بما في ذلك الدول الإسكندنافية، تجاه هذا الملف الشائك.
التشيك: دعم مشروط ومواقف حازمة
من أبرز الدول التي اتخذت موقفًا واضحًا تجاه مشاركة مواطنيها هي التشيك. يمنح القانون التشيكي المواطنين حق الانضمام للقتال في جيش دولة أجنبية بشرط الحصول على إذن رسمي من الرئيس. حتى الآن، منح الرئيس بيتر بافيل إذنًا لـ60 مواطنًا بالانضمام إلى القوات الأوكرانية، مع تلقي 181 طلبًا إجمالًا. رغم ذلك، يواجه من ينضم دون إذن خطر الملاحقة القانونية عند عودته، مما يعكس التزامًا صارمًا بضمان حماية المواطنين.
بولندا: موقف متسامح ودعم متواصل
تعتبر بولندا من الدول الداعمة بشدة لأوكرانيا، وقد أظهرت مرونة في التعامل مع مواطنيها الذين يرغبون في القتال بجانب القوات الأوكرانية. لم تصدر السلطات البولندية سياسات رسمية تمنع ذلك، ولم تُسجل حالات لملاحقات قانونية ضد المتطوعين العائدين، مما يشير إلى قبول ضمني لهذا النوع من الدعم.
المملكة المتحدة: دعم مشروط وتحذيرات
سمحت المملكة المتحدة لبعض قدامى المحاربين بالمشاركة في القتال في أوكرانيا ضمن “الفيلق الدولي” الذي أنشأته كييف. ومع ذلك، أصدرت الحكومة تحذيرات تحث المواطنين غير المدربين على عدم المشاركة لتجنب المخاطر، وذلك لضمان سلامتهم والحد من أي تداعيات سياسية محتملة.
فرنسا: مشاركة غير رسمية وتجنب التدخل المباشر
شهدت فرنسا مشاركة مواطنين فرنسيين في القتال إلى جانب القوات الأوكرانية، ولم تمنع السلطات الفرنسية ذلك بشكل مباشر. تُعتبر المشاركة طوعية وبمسؤولية شخصية للأفراد، وهو ما يعكس موقفًا مرنًا لكنه يترك الباب مفتوحًا أمام التساؤلات حول مدى استعداد الدولة لدعم هذه المبادرات.
ألمانيا: دعم مادي وتردد في المشاركة المباشرة
تدعم ألمانيا أوكرانيا بشكل كبير عبر المساعدات العسكرية والمعدات الدفاعية، لكنها لم تتبنَ سياسة واضحة فيما يخص السماح لمواطنيها بالانضمام للقتال بشكل مباشر. لم تُسجل حالات ملاحقات ضد المشاركين العائدين، مما يشير إلى عدم رغبة الحكومة في التصعيد.
الدول الإسكندنافية: مواقف متباينة ودعم قوي
- السويد: تقدم السويد دعمًا عسكريًا وسياسيًا لأوكرانيا، لكن لم تصدر سياسات رسمية تسمح لمواطنيها بالمشاركة المباشرة في القتال. مع ذلك، يعكس الدعم القوي لأوكرانيا مواقف السويد في إطار سعيها للانضمام إلى الناتو.
- النرويج: دعمت النرويج أوكرانيا بالإمدادات العسكرية والتعاون الأمني، لكنها لم تشجع رسميًا على مشاركة مواطنيها في القتال، مفضلة دعم الاستقرار الأمني عبر الشراكات الدولية.
- الدنمارك: كانت الدنمارك من بين الدول التي قدمت دعمًا كبيرًا لأوكرانيا، بما في ذلك المساعدات العسكرية والالتزام بدعم طويل الأمد يصل إلى 10 سنوات. رغم ذلك، لم تُصدر سياسات واضحة بشأن مشاركة مواطنيها في القتال، لكن التقارير تشير إلى مشاركة بعض الدنماركيين كمتطوعين، مع توجيه روسيا اتهامات لهم بالقتال كمرتزقة.
- فنلندا: تقدم فنلندا دعمًا عسكريًا وماليًا كبيرًا لأوكرانيا، بما في ذلك إرسال حزم مساعدات عسكرية متعددة. تعزز فنلندا سياستها الأمنية من خلال هذا الدعم وتتابع الأحداث بحذر، لا سيما بعد انضمامها مؤخرًا إلى الناتو، مما يعزز موقفها ضد التهديدات الروسية.
مخاوف وتحديات أمنية
تواجه الدول الأوروبية تحديات كبيرة في إدارة مشاركة مواطنيها في القتال، تتعلق بالسلامة الشخصية للمقاتلين والتداعيات القانونية المحتملة. كما يخشى الكثيرون من تأثير ذلك على الأمن الداخلي والاستقرار السياسي.
خاتمة
بينما تعبر الدول الأوروبية عن دعمها القوي لأوكرانيا من خلال المساعدات العسكرية والسياسية، يظل موقفها تجاه مشاركة المواطنين في القتال متباينًا. يجمع المراقبون على أن هذه المواقف تعكس توازنًا بين رغبة الدول في دعم أوكرانيا والحفاظ على استقرارها الداخلي.