من الشقاق إلى الاستقلال: تفاصيل الاحداث التي جعلت من الـ 25 أكتوبر 1905 تاريخاً جديداً بين السويد والنرويج؟

مدينة كارلستاد مفاوضات تاريخية بين السويد والنرويج، رئيس الوزراء السويدي كريستيان لوندبيرغ إلى جانب نظيره النرويجي كريستيان ميكيلسن. 1905. © Nordiska museet

في 25 أكتوبر 1905، شهدت السويد والنرويج حدثًا تاريخيًا أسدل الستار على اتحاد دام نحو قرن كامل. كانت العلاقات بين البلدين قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، وأدت الأحداث المتتالية إلى انفصال سلمي، ولكن ليس دون توترات داخلية وخارجية، والتي أسهمت في إعادة تشكيل خريطة المنطقة الشمالية من أوروبا.

خلفية الأزمة: تصاعد التوترات

شهد عام 1905 توترًا كبيرًا بين السويد والنرويج، حيث سعى النرويجيون إلى تعزيز استقلالهم وتأسيس نظام قنصلي مستقل عن السويد. قابل الملك أوسكار الثاني هذه الخطوة بالرفض القاطع، مما أدى إلى أزمة سياسية بلغت ذروتها عندما أعلن البرلمان النرويجي (ستورتينغ) في 7 يونيو 1905 أن الاتحاد مع السويد لم يعد قائمًا. هذا الإعلان أثار جدلًا واسعًا واعتبرته السويد خطوة أحادية الجانب وغير قانونية.

المفاوضات في كارلستاد: نحو الحل السلمي

بعد أشهر من التصعيد والتوتر، وافق الطرفان على الدخول في مفاوضات بمدينة كارلستاد السويدية، وهي خطوة جاءت في محاولة لتجنب الانزلاق إلى صراع عسكري. بدأت المفاوضات في 31 أغسطس 1905، واستمرت لعدة أسابيع حتى تم التوصل إلى اتفاق حول تفكيك بعض الحصون النرويجية على الحدود وإيجاد حلول لحقوق الرعاة السويديين في النرويج. ورغم هذه التنازلات المتبادلة، ظلت الأجواء مشحونة.

25 أكتوبر 1905: إعلان تاريخي لإنهاء الاتحاد

وفي 25 أكتوبر 1905، توجت هذه الجهود باتفاق رسمي يُنهي الاتحاد بين السويد والنرويج. اجتمع الطرفان وأعلنوا عن الاتفاق الذي قوبل بتأييد شعبي في النرويج، حيث كانت نتائج الاستفتاء تشير إلى رغبة كاسحة لدى الشعب النرويجي في الانفصال عن السويد. في الاستفتاء الذي أُجري في أغسطس من نفس العام، صوت أكثر من 368,000 نرويجي لصالح الانفصال، مقابل 184 فقط رفضوا الفكرة، مما جعل الموقف النرويجي واضحًا وغير قابل للتراجع.

ردود الفعل السويدية: مزيج من الغضب والحسرة

في السويد، كانت ردود الفعل على الانفصال متفاوتة. بينما اعتبرت الحكومة السويدية أن تصرف النرويج كان “انقلابًا دبلوماسيًا” على الاتحاد، فضل الملك أوسكار الثاني تجنب الصراع العسكري وقبول الحل السلمي، خاصة بعد الضغوط الدولية من الدول الكبرى التي لم تكن ترغب في إشعال حرب في المنطقة. ومع ذلك، شعر الملك أوسكار الثاني بالمرارة، حيث كان يأمل أن يُحافظ على الاتحاد على الأقل حتى وفاته.

في اليوم التالي، تجمعت حشود ضخمة في ستوكهولم لدعم الملك، حيث شهدت شوارع العاصمة مسيرات مؤيدة للعائلة الملكية السويدية. احتشد الآلاف في قصر روزندال الصيفي، مرددين الأناشيد الوطنية مثل “Kungssången” و”Vår Gud är oss en väldig borg”، مما عكس مشاعر الفخر والولاء للملك وللتاريخ المشترك بين البلدين.

موقف المجتمع الدولي وتأثيره على القرار النهائي

كان للمجتمع الدولي دور كبير في تسوية النزاع. الدول الكبرى، مثل بريطانيا وألمانيا، لم تكن ترغب في حدوث صراع عسكري في المنطقة، وفضلت التوصل إلى حل دبلوماسي يعزز الاستقرار في شمال أوروبا. هذا الدعم الدولي للحل السلمي ساهم في دفع السويد نحو القبول بالواقع الجديد والبدء في مفاوضات إنهاء الاتحاد.

ما بعد التفكك: مرحلة جديدة لكل من السويد والنرويج

بعد الاتفاق في 25 أكتوبر 1905، بدأت السويد والنرويج في إعادة بناء علاقاتهما كدولتين مستقلتين. من جانبها، سعت السويد إلى تعزيز سياساتها الداخلية وتطوير بنيتها التحتية، مما ساهم في تحويلها إلى دولة أكثر انفتاحًا على الديمقراطية والإصلاحات الاجتماعية. أما النرويج، فقد بدأت مرحلة جديدة من تاريخها السياسي كدولة مستقلة، واختارت أميرًا دنماركيًا ليصبح ملكًا لها تحت اسم “هاكون السابع”.

إرث 25 أكتوبر 1905: توازن جديد في المنطقة

يُنظر إلى 25 أكتوبر 1905 على أنه يوم مفصلي في تاريخ المنطقة، حيث أدت تلك الأحداث إلى تشكيل نموذج جديد للعلاقات بين السويد والنرويج، مبني على الاستقلالية والاحترام المتبادل. وعلى الرغم من أن البعض اعتبر انفصال النرويج خطوة غير مسؤولة، إلا أن الواقع أثبت أن القرار أدى إلى استقرار المنطقة على المدى الطويل وأعطى الفرصة لكلا البلدين لتطوير مساراتهما السياسية والاقتصادية بشكل مستقل.

خاتمة: دروس من الماضي لبناء المستقبل

لم تكن نهاية الاتحاد السويدي-النرويجي مجرد فصل من صفحات التاريخ، بل كانت درسًا في أهمية الحوار وتجنب الصراعات من أجل تحقيق الاستقرار. ومع مرور الوقت، أصبحت السويد والنرويج مثالاً يُحتذى به في قدرة الشعوب على حل نزاعاتها بطرق سلمية، وتحقيق التعايش الإقليمي على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

المصدر: popularhistoria

المزيد من المواضيع