تجدد الجدل في أوروبا وحول العالم حول مسألة ترحيل اللاجئين السوريين المتورطين في جرائم أو الذين رفضت طلبات لجوئهم، خاصة بعد حوادث مثل هجوم السكين في زولينغن بألمانيا. في ظل هذا النقاش، يثار تساؤل رئيسي: هل سوريا آمنة الآن بما يكفي لإعادة اللاجئين إليها؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب النظر في الأوضاع الحالية في سوريا من خلال تحليل الوضع الأمني، السياسي، والإنساني في مختلف مناطق البلاد.
الوضع الأمني في سوريا: نظرة عامة
سوريا حاليًا ليست بلدًا موحدًا تحت حكم مركزي، بل مقسمة إلى أربع مناطق سيطرة رئيسية، وكل منها يخضع لظروف مختلفة، ولكن بشكل عام، يتفق معظم الخبراء على أن الأوضاع في هذه المناطق لا تسمح باعتبار سوريا بلدًا آمنًا لعودة اللاجئين.
- المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري (60% من البلاد)
- يسيطر النظام السوري بقيادة بشار الأسد على معظم أجزاء سوريا. ومع ذلك، يُعتبر هذا النظام واحدًا من أكثر الأنظمة قمعًا في العالم. بحسب تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، النظام متورط في عمليات اعتقال تعسفي، تعذيب واسع النطاق، وإخفاء قسري.
- تشير تقارير من DW إلى أن اللاجئين الذين تم ترحيلهم من دول مثل لبنان قد اختفوا فور وصولهم إلى الأراضي السورية، ما يثير مخاوف كبيرة بشأن سلامتهم.
- علاوة على ذلك، لا توجد ضمانات لعودة النازحين إلى حياتهم الطبيعية، إذ يبقى الكثيرون منهم عالقين في مخيمات تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية.
- مناطق شمال غرب سوريا (إدلب)
- تسيطر على هذه المنطقة هيئة تحرير الشام، وهي مجموعة جهادية مرتبطة سابقًا بتنظيم القاعدة. إدلب تُعتبر آخر معاقل المعارضة المسلحة، وتعيش فيها حوالي ثلاثة ملايين شخص، بينهم 1.7 مليون نازح داخليًا.
- يعتمد معظم السكان في إدلب على المساعدات الخارجية، وتتعرض المنطقة لغارات جوية روسية بشكل مستمر، مما يفاقم الوضع الإنساني المتدهور. تشير تقديرات منظمات إنسانية إلى أن 80% من السكان يفتقرون إلى مياه الشرب والخدمات الصحية الأساسية.
- بالإضافة إلى الصراع المسلح، فرض الجهاديون قوانين صارمة على النساء، وقيدوا بشدة الحريات الفردية، مما جعل الحياة في المنطقة خطيرة للغاية.
- المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا
- في الشمال الشرقي من سوريا، تسيطر تركيا على شريط حدودي واسع بالتعاون مع قوات المعارضة السورية. لكن هذه المنطقة ليست أيضًا بمنأى عن الانتهاكات. وثقت هيومن رايتس ووتش حالات تعذيب وإخفاء قسري على أيدي “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.
- رغم أن هذه المناطق قد تبدو أقل خطرًا مقارنة بمناطق أخرى، إلا أن الهيمنة التركية والاضطرابات المستمرة تعيق تحقيق استقرار طويل الأمد، خاصة مع استهداف القوات الكردية المستمر من قبل تركيا.
- المناطق الكردية في الشمال الشرقي
- تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية على معظم المناطق الشمالية الشرقية من سوريا. رغم أن الأكراد نجحوا في تحرير المنطقة من تنظيم داعش، إلا أنهم يواجهون الآن تحديات متعددة، أبرزها النزاع المستمر مع تركيا وقوات مدعومة من إيران.
- تشير تقارير إلى قمع متزايد للمعارضة السياسية والتجنيد القسري، إضافة إلى الاعتقالات التعسفية. ورغم أن المناطق الكردية تُعتبر أكثر استقرارًا من مناطق أخرى، إلا أنها ليست بمنأى عن العنف المستمر والنزاعات المسلحة.
تحديات إعادة اللاجئين
العديد من الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين، خاصة في أوروبا، تواجه ضغوطًا متزايدة لترحيل اللاجئين، خاصة بعد زيادة جرائم يرتكبها لاجئون. ورغم هذا، تبقى الأوضاع في سوريا، وفقًا لمعظم التحليلات، بعيدة كل البعد عن “آمنة”.
خبراء من معهد الدراسات العالمية والمناطقية (GIGA) والأمم المتحدة يحذرون من أن إعادة اللاجئين في هذه المرحلة قد تعرضهم لخطر كبير، خاصة في ظل القمع المستمر من قبل النظام السوري في المناطق الخاضعة لسيطرته، والتهديدات الأمنية والجماعات المسلحة في المناطق الأخرى.
التحديات السياسية
إضافة إلى التحديات الأمنية، تواجه سوريا تحديات اقتصادية وسياسية حادة. البلاد غارقة في الفقر، ومعدل البطالة مرتفع بشكل غير مسبوق. البنية التحتية مدمرة، والخدمات الصحية والتعليمية شبه معدومة في معظم المناطق. هذا الوضع يفاقم من الصعوبات التي قد يواجهها اللاجئون إذا عادوا، ويقلل من فرص استقرارهم.
خلاصة
بناءً على الوضع الحالي في سوريا، يرى معظم الخبراء والمنظمات الحقوقية أن سوريا ليست آمنة بعد لعودة اللاجئين. استمرار النزاع المسلح، القمع السياسي، الانتهاكات الإنسانية، وغياب الخدمات الأساسية كلها عوامل تجعل من الصعب التفكير في إعادة اللاجئين دون تعريضهم لمخاطر كبيرة.
تبقى القضية محل نقاش مستمر في أوروبا وأماكن أخرى، ولكن حتى يتم تحقيق استقرار حقيقي ووقف للانتهاكات، يبدو أن إعادة اللاجئين إلى سوريا ليست خيارًا آمنًا في الوقت الحالي.