في الوقت الذي كانت المفاوضات جارية بين السويد و تركيا حول طلب الأخيرة للانضمام الى حلف الناتو، كان هناك على الأرض صحفيين أتراك يعملون كجواسيس لصالح الحكومة التركية، يجمعون المعلومات عن الأشخاص الذين تتهمهم السلطات التركية بالإرهاب و يعيشون في السويد.
في مراجعة قامت بها صحيفة داغنز نيهيتر السويدية DN، سلطت فيها الضوء على نشاط هؤلاء “الصحفيين” الاتراك الذين وبعد ان جمعوا ما تيسر لهم من معلومات و صور حول هؤلاء الأشخاص، تم نشرها في الصحافة التركية.
كانت احدى الخطوات التي قام بها رجال الدولة التركية من “صحفيين”، كانت زيارة مفاجئة لمركز المجتمع الديمقراطي الكردي في عاصمة السويد، ستوكهولم.
ففي الساعة العاشرة من صباح أحد أيام شهر يونيو، جاء رجلان مجهولان إلى مركز المجتمع الديمقراطي الكردي (NCDK) في ستوكهولم. قدموا أنفسهم على انهم أكراد ويعيشون في فنلندا.
كان زاغروس أندارياري، وهو عضو في الجمعية الكردية، يمكث وحيداً في المكتب عندما دخل هذان المجهولان الى الجمعية.
وبعد ان قام زاغروس بواجب الضيافة وقدم لهم كوبان من الشاي، قال المجهولان انهم من مؤيدي حركة الحرية و لديهم جمعية في هلسنكي دائماً ما تكون مغلقة، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن زاغروس.
يقول زاغروس، انه وبعد ان شربوا الشاي، طلبوا إلتقاط عدة صور، عندها أخرج احدهم هاتفه المحمول وبدأ بتصوير الغرفة و الصور المعلقة على الجدران وعلى الرفوف، كانت من بين الصور صورة لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان.
بعد أسبوع من الزيارة، اكتشف زاغروس أندارياري، حقيقة الأمر و ان الرجلان المجهولان الذين قاموا بزيارته قبل أسبوع، لم يكونا كما أدعيا، فقد كانوا صحفيين أتراك يعملون لصحيفة صباح الموالية للحكومة التركية.
عيون تركية في السويد
وقد نشرت صحيفة صباح على لسان مراسلها عبد الرحمن شيمشك، مقالاً زعمت فيه انه دخل “مقراً” للتنظيمات الإرهابية في السويد، وقد وصفت ستوكهولم بانها “قاعدة لحزب العمال الكردستاني و حزب الاتحاد الديمقراطي”.
كما وصفت الصحيفة التركية، مدرّس متقاعد بـ “ممول إرهابي”. بالإضافة الى نشر عنوان منزل شيار علي، ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في دول الشمال الأوروبي.
وقالت صحيفة صباح في تعليق نشرته في شهر يونيو، أي بعد أسابيع فقط من بدء تركيا في تقديم مطالبها النهائية من السويد لتقبل بعضويتها في حلف الناتو، حيث طالبت السويد بتسليم الأشخاص الذين تعتبرهم تركيا داعمون للإرهاب، بالإضافة الى إغلاق المواقع الإلكترونية والمؤسسات الإعلامية التي لها صلات بحركة غولن.
بحسب صحيفة داغنز نيهيتر السويدية، فقد تم تعيين المزيد من الأشخاص للقيام بعمليات تجسس على الأراضي السويدية خلال الأشهر القليلة الماضية.
لقد كانت لوسائل الإعلام التركية، دوراً كبيراً و مهماً فيما آلت اليه المحادثات و المطالب التركية التي تشبثت به حتى النهاية، كما تقول الصحيفة.
و جاء في مراجعة الصحيفة السويدية، انه بعد مرور أسبوعين على الحادث الذي وقع في ستوكهولم، نشرت صحيفة الصباح التركية، قائمة طويلة بأسماء أشخاص الذي تطالب بهم تركيا و التي كانت بمثابة فدية مقابل عضوية السويد في التحالف الدفاعي الغربي.
في هذا الصدد يقول الصحفي الفرنسي غيوم بيربيه، الذي عمل كمراسل لصحيفة لوموند الفرنسية في تركيا وأصدر كتاباً عن العمليات السرية التركية في الخارج، انه غالباً ما تكون منشورات وسائل الإعلام التركية تتماشى مع سياسة الحكومة والأجهزة الأمنية التركية.
ويضيف غيوم بيربيه، ان الإعلام التركي يشكل غطاءً جيداً للعمليات الاستخباراتية التركية، فهي جزء مهم من حملة نفسية ذات توجه سياسي. وهو ما قامت به تركيا ضد أشخاص كثر في المنفى في العديد من الدول الأوروبية. وعلى وجه الخصوص صحيفة صباح التركية.
يتحدث الصحفي الفرنسي عن عدة أمثلة حول كيفية عمل وسائل الإعلام كغطاء لأعمال تجسسية، ففي ألمانيا عام 2017، كان هناك رجل عمل عدة سنوات كصحفي، حتى انكشف أمره وتبين انه يعمل في جهاز الأمن التركي وكان يستغل مهنة الصحافة للوصول السياسيين الأكراد.
بحسب المراجعة التي نشرتها صحيفة داغنز نيهيتر، فان الصحفي عبد الرحمن شيمشك، والذي قام بزيارة مركز الجالية الكردية في ستوكهولم، قام بالعديد من عمليات التجسس لصالح صحيفة صباح والتي هو احد محرري قسم الأخبار فيها.
عضو في جمعية الصحفيين الدنماركيين
و يظهر في مراجعة الصحيفة السويدية، ان شيمشك هو عضو في جمعية الصحفيين الدنماركيين كممثل لصحيفة صباح التركية. وكان قد أخبر الجمعية انه يعيش في بلدية صغيرة خارج كوبنهاغن، لكن وبعد التدقيق في العنوان، تبين من حديث الجار انه لا يعرف هذا الشخص ولم يقابله ابداً، حيث ان امرأة و طفلها يعيشون في ذلك العنوان منذ سنوات عديدة.
ذكرت جمعية الصحفيين الدنماركيين، انها ليست على علم بما يقوم به شيمشك من عمليات تجسسية لصالح الحكومة التركية، وبعد الأسئلة التي وجهتها صحيفة داغنز نيهتر إليها، قررت الجمعية فصله بسبب انه لا يعيش في الدنمارك.
ليست في السويد وحدها، فقد قام عبد الرحمن شيمشك، بتعيين أشخاص آخرين للعمل معه في عدة دول أوروبية منها السويد و الدنمارك و اليونان و ألمانيا.
في منتصف شهر سبتمبر، قام عبد الحرمن شيمشك بنشر صور و عنوان الصحفي المنفي سيفيري جوفين في ألمانيا في صحيفة صباح. حينها قال الصحفي سيفيري جوفين، ان ما فعله شيمشك، جعل منه هدفاً للمتعصبين والمجرمين الآخرين، لذا اضطررت الى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواصلة عملي و للحفاظ على سلامة أسرتي، كما يقول.
في الوقت الذي وصف فيه أردوغان، السويد بانه “مهد الإرهاب” خلال مقابلة مع قناة تلفزيونية أمريكية، نشرت صحيفة صباح أسماء خمسة أشخاص جدد. وكان ذلك قبل وقت قصير من زيارة رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون لأنقرة.
تواصلت الصحيفة السويدية مع كل شخص تم نشر صورته و بياناته الشخصية، حيث قالوا انه لم يلاحظوا انهم تحت المراقبة.
لا يعمل لوحده
أحد أولئك الأشخاص كان مراد سيتينر، قائد شرطة تركي سابق، والذي طالبت تركيا بتسليمه على أساس انه أسس وقاد “منظمة إرهابية”، بسبب صلاته بحركة غولن، حينها قررت المحكمة العليا عدم تسليمه لانه يواجه خطر الاضطهاد في وطنه الأم.
أحدهم كان مراد سيتينر ، قائد الشرطة السابق في تركيا ، الذي أرادت الدولة تسليمه على أساس أنه أسس وقاد “منظمة إرهابية” ، وبسبب صلاته بحركة غولن. قضت المحكمة العليا بأن ذلك غير ممكن لأنه يواجه خطر الاضطهاد في وطنه.
يعتقد العديد ممن تم نشر بياناتهم، ان أجهزة الأمن التركية، ساعدت صحيفة صباح التركية في وضع خطة لملاحقتهم، و أحد أولئك الأشخاص كان الصحفي عبدالله بوزكورت، الذي يعيش منذ عام 2020، ببيانات شخصية محمية، بعد تعرضه للضرب على يد ثلاث رجال مجهولين خارج منزله.
يقول بوزكورت، انه لا يعتقد انه بإمكان صحفي عادي امتلاك القدرة والموارد الكافية لمعرفة معلوماته الشخصية. لان المقالة المنشورة عنه مفصلة للغاية، كما يقول.
خلال اللقاء الذي جمع أردوغان و أولف كريسترسون، في أنقرة، طالب أردوغان علانية بتسليم صحفي تركي، وفي اليوم التالي، أعادت صحيفة صباح نشر صورة الصحفي المستهدف و أربعة آخرين.