رحلة اللاجئين من مناطق اقليم كردستان العراق وأفغانستان عبر قلب آسيا إلى شواطئ بريطانيا و حدود عشرات الدول، منها فرنسا، تشكل رحلة طويلة وشاقة، وتُنظَّم عبر شبكة مُعقدة من العصابات. هذه الشبكات الإجرامية تثير اهتمام السلطات في العديد من الدول الأوروبية، وتحقق أرباحًا تصل إلى نحو 200 مليون دولار سنويًا.
تظل تدفق المهاجرين عبر بحر المانش إلى المملكة المتحدة مستمرًا على الرغم من المخاطر المتزايدة والحوادث المؤلمة للغرق. وفقًا لأرقام وزارة الداخلية البريطانية، يبقى عدد عمليات العبور قريبًا من مستويات العام 2022، حيث تضاعفت عمليات اعتراض عصابات الهجرة المنظمة التي تنفذها الهيئة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة أربع مرات، بحسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية..
كيف يتمكن هذه العصابات من الاستمرار في أعمالها بدون أن تتأثر؟
تتسابق العصابات الكردية والأفغانية في منافسة ضارية، وتطورت المواجهة بينهما. تجاوزت العصابات الكردية العراقية منافسيها الأفغان بعد حرب عنيفة في عام 2018، لتصبح هي المسؤولة عن عمليات تهريب الأشخاص عبر بحر المانش.
في البداية، استخدمت العصابات الكردية الشاحنات لتهريب المهاجرين إلى المملكة المتحدة، ولكنها اضطرت للتحول إلى استخدام القوارب الصغيرة بعد تشديد الأمن في ميناء العبارات في كاليه بفرنسا ونفق المانش.
بعد مرور بعض السنوات من سيطرة الأكراد على تهريب المهاجرين عبر القوارب، عاد المنافسون الأفغان للظهور مجددًا. وقد تعزز موقفهم بحقيقة أنهم يمثلون واحدة من أكبر الجنسيات التي تدفع مقابل عمليات العبور.
بينما فشل الألبان في تنظيم عمليات تهريب المهاجرين رغم أنهم كانوا الجنسية الأكبر في العام الماضي، وذلك بسبب صعوبة توفير القوارب والمعدات اللازمة. بالتالي، تقوم العصابات الكردية بدور الرئيسي في تنظيم عمليات الهجرة، وتمد الألبان بالزبائن وتحصِّل الأموال في المملكة المتحدة.
أساليب الربح لهذه الشبكات المُعقدة:
أفرزت عمليات تهريب المهاجرين أرباحًا ضخمة لأصحاب الشبكات، حيث لم يكن أصحاب القوارب بعيدين عن هذه الربحية الكبيرة. وفقًا لزافييه ديلريو، رئيس الهيئة الفرنسية المعنية بشؤون تهريب المهاجرين، تتراوح الرسوم المُفروضة من قِبل العصابات ما بين 2500 يورو (2700 دولار) و3000 يورو (3267 دولار) لكل مهاجر، باستثناء الألبان والفيتناميين الذين يدفعون حوالي 4500 يورو (حوالي 4900 دولار). مع متوسط 50 مهاجرًا لكل قارب، تصل قيمة العملية الواحدة إلى 150 ألف يورو (163 ألف دولار)، منها 100 ألف يورو (108 آلاف دولار) أرباح.
وفي هذا السياق، صرح ديلريو قائلًا: “بإذا أجرينا حسابًا سريعًا على عدد المهاجرين الذين عبروا في عام 2022، سنجد أنه تم تحقيق أرباح تقدر بـ150 مليون يورو (163 مليون دولار). على الرغم من عدم مقارنة هذه الأرباح بتجارة المخدرات، إلا أنها لا تزال مُربحة بشكل كبير.”
تقديرات الشرطة الفرنسية لهذا العام أظهرت أن مهربي البشر حققوا حوالي 233 مليون دولار من تهريب 45,755 مهاجرًا خلال العام الماضي.
شبكة معقدة وخدمات متعددة للمهاجرين:
على الرغم من الأرباح الهائلة التي يحققونها بشكل عام، فإن شبكات تهريب المهاجرين تُعدّ معقدة وتستند إلى مشاركة مئات الأفراد في هذه العمليات. تشمل “خدماتهم” توفير القوارب والمعدات وسترات النجاة، بالإضافة إلى تجنيد المهاجرين وترتيب اللقاءات ونقل القوارب والمعدات وجمع الأموال في المملكة المتحدة.
تُدفع مبالغ كبيرة لهؤلاء الأشخاص في مختلف مراحل العملية، ولهذا السبب لا تشبه عمليات التهريب إمبراطوريات تجارة المخدرات المركزية، حيث تُدير شبكات التهريب بشكل واسع بالتعاون بين عدد كبير من المشاركين والمستفيدين.
حجم المعاملات والأنشطة التي يشترك بها المهاجرون وأصحاب الشبكات يجعلها عمليات غير مركزية وصعبة التتبع، مما يجعل من الصعب للسلطات محاصرة هذه الشبكات بشكل فعال.
واللافت أن العصابات المتورطة في تهريب المهاجرين تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد للترويج لأعمالها والتواصل مع الزبائن المحتملين. يصف تقرير الهيئة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة شبكات التواصل الاجتماعي بأنها “أدوات إعلانية فعالة منخفضة التكلفة” تُستخدم لجذب الزبائن وتسهيل التواصل معهم.
وتمثل تقنيات التلاعب بالخوارزميات واستخدام الرموز التعبيرية نماذج من كيفية تجاوز العصابات لجهود حظر وحذف المنشورات غير القانونية. على سبيل المثال، يتم نشر إعلانات على منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، وعندما يتواصل الأشخاص مع المهربين، يتم إرسال أرقام الاتصال المباشر عبر تطبيقات مثل واتساب أو تليغرام. هذا يعني أن حذف المنشورات لا يكون فعالًا بما يكفي، حيث يمكن للعصابات إعادة إعلاناتها بسرعة واستمرار الترويج لعمليات التهريب.
بشكل عام، يبدو أن تهريب المهاجرين يظل نشاطًا غير مركزي ومعقد يعتمد على شبكة واسعة من المتورطين والمستفيدين. على الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات لمكافحة هذه العمليات، إلا أن التطورات التكنولوجية والاستخدام المبتكر لوسائل التواصل الاجتماعي يجعل من الصعب القضاء على هذه الشبكات بشكل كامل.
أساليب دفع المهاجرين وتأمين أموال العصابات في رحلة عبور المانش
العبور عبر المانش بات من أكثر الرحلات خطورة وتعقيداً للمهاجرين من شمال العراق وأفغانستان عبر العديد من البلدان الأوروبية، حيث يتعاملون مع عصابات تهريب معقدة تضمن دفع أموال العبور وسلامة الرحلة. عادةً ما يتم دفع المهاجرين للعصابات عبر حسابات إيداعية في بنوك غير رسمية في بلادهم، وعند وصولهم إلى المملكة المتحدة يتم تحويل المبلغ.
الأموال تبقى عادةً غير متاحة بشكل سائل في المخيمات حيث يقيم المهاجرون، وتحتفظ العصابات بأموالهم حتى يصلون بأمان. هناك أشخاص يدفعون عبر ويسترن يونيون، لكن هذا الأمر نادر. يجد بعض المهاجرين أنفسهم مضطرين للعمل لصالح العصابات لتغطية تكاليف الرحلة، حيث يتعين عليهم بيع السجائر المهربة في باريس كجزء من الصفقة.
فيما يتعلق بالأمان، فإن تهرب المهاجرين من الدفع ليس خياراً حقيقياً. العصابات تتسم بالصرامة والعنف، وتقوم بتحديد مبالغ الدفع بعناية. أحد المهاجرين الأفغان قال: “المهربون الأكراد عدوانيون للغاية ومعروفون بالتحقق من الأمور جيداً”.
بالنسبة للعصابات الألبانية، تلعب دور الوسيط بين المهاجرين والعصابات الكردية. يتم تجنيد الزبائن وجمع الأموال من المهاجرين عند وصولهم إلى المملكة المتحدة. تقاضي الوسطاء ما بين 1237 دولار و1900 دولار على كل مهاجر يوفرونه للعصابات.
للحفاظ على سرية العمليات، تُرسل صورة من جواز السفر إلى العصابات الكردية في فرنسا. ثم يرسل الوسطاء الألبان الصورة إلى المملكة المتحدة لتحصيل الأموال من المهاجرين. بعد خصم نسبة معينة من المبلغ، يتم تحويل الباقي إلى العصابة الكردية التي تنشر محصلي الأموال التابعين لها في المملكة المتحدة.
لضمان عدم تعرض المهاجرين للنصب، يتم تنظيم عمليات الدفع بأساليب تحويل الأموال القديمة، مشابهة للتحويلات المالية عبر طريق الحرير. تتمثل هذه العملية في التواصل مع صرافين غير رسميين يسهلون عملية الدفع بناءً على تلقيهم تأكيد وصول المهاجرين إلى وجهتهم بسلام.
في الختام، تستمر عصابات تهريب المهاجرين في تطوير أساليبها لتحقيق الربح وتوفير العبور بأمان. تجمع العمليات الواسعة والشبكات المعقدة بين عدة أشخاص يلعبون أدوارًا مختلفة، مما يجعل من الصعب تحديد نقطة مركزية للعملية.
المصدر: arabicpost.net