يُفترض أن حصول المهاجر على أساسيات الحياة مثل الطعام والشراب والسكن في دولة جديدة يشكل تطورًا إيجابيًا مقارنةً بأوضاعهم في بلدانهم الأصلية، خاصةً في حالات الحروب والأزمات. لذلك قد ينكر البعض وجود أي أسباب للانتحار بين هذه الفئة.
و رغم أن البيانات الدقيقة حول حالات الانتحار بين المهاجرين واللاجئين قليلة نسبياً، إلا أن هناك تقارير تظهر زيادة في عدد الحالات في بعض الدول الأوروبية كألمانيا والسويد وبلجيكا. يشير الخبراء إلى أن الوضع الفعلي قد يكون أكثر تعقيداً مما يعكسه الأرقام بسبب تحديات توثيق وتقرير الحالات بشكل دقيق، وذلك نظراً لطبيعة المجتمعات والثقافات التي قد تؤثر على تقارير الانتحار.
تتنوع أسباب الانتحار بين المهاجرين واللاجئين، حيث تتضمن العوامل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية. على سبيل المثال، قد يشعر المهاجرون بالوحدة والاغتراب في بلدانهم الجديدة بعيداً عن أسرهم ومجتمعاتهم، مما يؤدي إلى انعدام الدعم الاجتماعي الذي يمكن أن يسهم في تفاقم الأوضاع النفسية.
بالإضافة إلى ذلك، قد يتعرض المهاجرون واللاجئون لتحديات اقتصادية تشمل صعوبة الحصول على فرص عمل والتكيف مع نمط حياة جديد ومختلف عن الذي كانوا يعيشونه في بلدانهم الأصلية. هذا قد يؤدي إلى شعور بالفشل والإحباط، وقد يكون له تأثير سلبي على الصحة النفسية.
بالنسبة للأسباب النفسية، فقد تلعب الاضطرابات العقلية مثل الاكتئاب دوراً مهماً في حالات الانتحار بين المهاجرين. يعاني البعض منهم من صعوبات في التكيف مع التحولات الحياتية والتحديات الجديدة التي تواجههم، مما يؤدي إلى زيادة الضغط النفسي والاكتئاب.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه المهاجرين واللاجئون تحديات مثل التمييز والعنصرية في بعض الأحيان، مما يزيد من مشاعر العزلة والتهميش، ويؤثر سلباً على الصحة النفسية. على سبيل المثال، قد يواجه البعض تحديات في الحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية بسبب عقبات لغوية أو ثقافية.
تتأثر النساء والرجال بشكل مختلف من قبل حالات الانتحار، حيث يظهر الانتحار عند النساء بشكل أكثر شيوعاً في محاولات الانتحار، بينما يرتفع معدل الوفيات عند الرجال. يعزى ذلك جزئياً إلى اختلافات في الأساليب المستخدمة للانتحار بين الجنسين، بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية والثقافية التي قد تؤثر على السلوك الانتحاري.
لا تقتصر تأثيرات الانتحار على المهاجرين واللاجئين فحسب، بل تمتد أيضاً لتؤثر على أفراد المجتمعات المحلية والمهاجرة بشكل عام. إذ قد يعاني أصدقاء وعائلات الأشخاص المنتحرين من صدمة وحزن عميقين، ويمكن أن تترك حالات الانتحار آثاراً نفسية طويلة الأمد على الأشخاص المتأثرين بها.
الأسباب الاجتماعية للانتحار:
تشرح المختصة النفسية مارينا مقار أن هناك عدة أسباب اجتماعية للانتحار بين المهاجرين، من أهمها:
– الشعور بالوحدة: حيث يجد المهاجر نفسه وحيدًا دون عائلة أو أصدقاء، بعيدًا عن بيئته المألوفة.
– تحديات الغربة: مثل محاولات إثبات الذات، وضغط النجاح، وعدم التمكن من تحقيق الذات، مما قد يشكل عبئًا نفسيًا ثقيلًا.
– فقدان معنى الحياة: أو الشعور بالعيش دون هدف.
الأسباب النفسية للانتحار:
تؤكد مارينا أن هناك أيضًا أسبابًا نفسية للانتحار، منها:
– أمراض الاكتئاب: مسؤولة عن حوالي 70% من حالات الانتحار بشكل عام.
– أمراض الذهان: حيث يسمع المريض أصواتًا تحثه على الانتحار.
– اكتئاب ما بعد الولادة: قد يدفع النساء إلى الانتحار في بعض الأحيان.
– الأمراض الجسدية والألم المرافق لها: قد تدفع المريض إلى الانتحار في محاولة للتخلص من العذاب.
إحصائيات حول الانتحار:
– منظمة الصحة العالمية: تُشير إلى أن الانتحار أودى بحياة مليون شخص تقريبًا عام 2012.
– موقع Suicide Direct: تُشير إلى أن معدلات الانتحار في أوروبا ترتفع في الدول الشمالية والشرقية، وتقل في دول المتوسط.
– دراسات أجريت على المهاجرين في أوروبا: تُبين أن معدلات الانتحار بين مجموعات المهاجرين تتقارب مع معدلات الانتحار بين السكان المحليين، ويزداد خطر الانتحار بين الجيل الثاني للمهاجرين أكثر من الأول.
تأثير الهجرة على معدلات الانتحار:
يُشير موقع Suicide Direct إلى أن الهجرة نفسها تُشكل تحديًا كبيرًا وتُؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية، بينما تُزيد بعض العوامل من المعاناة مثل:
– الحواجز اللغوية.
– انخفاض الوصول إلى النظام الصحي.
– الحرمان الاجتماعي والاقتصادي.
– التمييز.
الانتحار بين الجنسين:
تُشير مارينا إلى عدم وجود معلومات دقيقة حول نسب الانتحار بين الرجال والنساء، لكنّ ما تبين هو أن النساء أكثر محاولة للانتحار، بينما الرجال أكثر إصابة عند تنفيذه.
الخلاصة:
يُعاني المهاجرون من تحديات اجتماعية ونفسية عديدة قد تدفعهم إلى الانتحار، مثل الشعور بالوحدة، وتحديات الغربة، وأمراض الاكتئاب والذهان. كما تُؤثر الهجرة نفسها على معدلات الانتحار من خلال تفاقم عدم المساواة الاجتماعية. يجب إيلاء هذه الظاهرة اهتمامًا كبيرًا وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للمهاجرين، خاصةً الشباب والمراهقين.
المصدر: dw.com