فرنسا تُعيد النظر في سياسات الهجرة: تمديد الاحتجاز وتقليص الحقوق الاجتماعية للمهاجرين

في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، كشف وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو عن سلسلة من الإجراءات الأمنية الجديدة التي تهدف إلى تشديد الخناق على المهاجرين غير النظاميين، مما أثار قلقًا واسعًا في أوساط جمعيات مساعدة المهاجرين. فقد أعربت الأمينة العامة لجمعية “لا سيماد” (la Cimade)، فانيلي كاري-كونت، عن أسفها إزاء التصريحات الأخيرة للوزير، معتبرةً أن “التصعيد القمعي سيقودنا إلى طريق مسدود”، في إشارة إلى السياسات الجديدة التي من شأنها إجبار المهاجرين غير القانونيين على العيش في ظروف سرية ومهينة.

وأعلن ريتايو عن رغبته في تقليص دور الجمعيات التي تعمل داخل مراكز الاحتجاز الإداري، معربًا عن نيته تسليم هذه المهام إلى المكتب الفرنسي للهجرة والإدماج (OFII)، وهو هيئة حكومية تخضع لرقابة الدولة. واعتبر الوزير أن دور الجمعيات، مثل “لا سيماد” و”فرنسا أرض اللجوء”، في تقديم المشورة القانونية للمهاجرين قد تحول إلى عائق أمام عمليات الترحيل، موجهًا انتقادات حادة إلى هذه المنظمات التي تعمل على منع ترحيل المهاجرين رغم تكليفها من قبل الدولة.

بالإضافة إلى ذلك، كشف ريتايو عن خطط لتمديد فترة احتجاز المهاجرين غير النظاميين في مراكز الاحتجاز إلى سبعة أشهر، وزيادة عمليات التفتيش على الحدود، لا سيما في النقاط الحيوية. وأشار أيضًا إلى رغبته في تقليص بعض الحقوق الاجتماعية الممنوحة للمهاجرين بهدف “تقليل جاذبية” الهجرة غير القانونية. هذه الإجراءات أثارت استياء الجمعيات المدافعة عن حقوق المهاجرين، التي أكدت أن فرنسا، رغم تشديدها لقوانين الهجرة على مدى العقود الأربعة الماضية، لم تنجح في الحد من تدفق المهاجرين.

استغلال مزدوج لسياسات الهجرة

وزير الداخلية لم يقتصر في تصريحاته على الحديث عن تشديد الإجراءات، بل انتقد أيضًا ما وصفه بـ”السخاء المفرط” لفرنسا في منح التأشيرات دون تلقي مقابل ملموس من الدول المصدرة للمهاجرين، مشيرًا إلى أن بلاده منحت المغرب في عام 2023 نحو 238,750 تأشيرة، بينما استقبلت فقط 725 وثيقة مرور لترحيل المهاجرين. أما الجزائر، فقد منحت 205,853 تأشيرة، لكنها قبلت عودة 2,191 فقط من مواطنيها.

من ناحية أخرى، تؤكد الجمعيات أن هناك بدائل أخرى للتعامل مع ملف الهجرة، مشيرة إلى النجاح الذي حققته فرنسا في استقبال النازحين الأوكرانيين ومنحهم حق اللجوء المؤقت بشكل سريع وفعال. وقد صرحت كاثرين ويتول دو ويندن، مديرة الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)، بأن “الهجرة قضية اجتماعية تتعلق بسوق العمل وحقوق الإنسان، ولا يمكن إنكار حاجة الدول الأوروبية إلى العمالة”.

حاجة سوق العمل إلى المهاجرين

في خضم هذا الجدل، يشير تقرير صادر عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (Insee) إلى أن عدد المهاجرين في فرنسا بلغ 7.3 مليون شخص في عام 2023، أي ما يعادل 10.7% من سكان البلاد. وقد سجّل المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (Ofpra) 142,500 طلب لجوء في نفس العام، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق.

وعلى ضوء هذه الأرقام، دعا رئيس منظمة أرباب العمل (Medef)، باتريك مارتن، إلى عدم إغفال “البعد الاقتصادي والديموغرافي” في مناقشات الهجرة، مؤكداً أن فرنسا ستحتاج إلى 3.9 مليون مهاجر في سوق العمل بحلول عام 2050 لتلبية احتياجات الاقتصاد المتنامي.

الهجرة: ظاهرة لن تتوقف

وفي هذا السياق، أكد ماثيو تارديس، المدير المشارك لمركز أبحاث “التآزر في الهجرة” (Synergies migrations)، أن الهجرة ليست ظاهرة استثنائية، بل هي ظاهرة مألوفة لن تتوقف. وأشار إلى أن محاولات منع المهاجرين من الاستقرار بشكل دائم ستؤدي حتماً إلى نتائج عكسية.

من جهته، أكد بينوا هامون، المدير العام لمنظمة “Singa”، على أهمية تبني سياسة متكاملة تسهم في تسهيل إدماج المهاجرين عبر سوق العمل، وتقليل فترة الانتظار لتسوية أوضاعهم الإدارية.

ملف الهجرة في يد رئيس الحكومة

ورغم الجدل الدائر حول تصريحات ريتايو، أكد رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه أن الحكومة هي من تحدد الخط العام لسياسة الهجرة، مستبعدًا في الوقت نفسه فكرة سن قانون جديد في الوقت الحالي، كما طالبت بذلك زعيمة حزب التجمع الوطني، مارين لوبان.

المصدر: مهاجر نيوز 2024

المزيد من المواضيع