تجري اليوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، وسط سباق محموم بين نائب الرئيس كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، والرئيس السابق دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري. تتميز هذه الانتخابات بطابع تاريخي، حيث أنها تأتي في ظل أجواء شديدة الانقسام الداخلي وتوترات دولية، ويترقب الجميع نتيجتها لما لها من تأثيرات كبرى على الولايات المتحدة والعالم.
آلية انتخاب الرئيس في الولايات المتحدة
تعتبر عملية انتخاب الرئيس الأمريكي معقدة نسبيًا، إذ تتبع نظامًا فريدًا من نوعه يُعرف بـ”المجمع الانتخابي”. إليك التفاصيل الكاملة لهذه الآلية:
- التصويت الشعبي: يقوم المواطنون الأمريكيون في يوم الانتخابات بالإدلاء بأصواتهم بشكل مباشر لصالح أحد المرشحين. ومع ذلك، هذا التصويت لا يحدد الرئيس مباشرة، بل يؤثر فقط على توزيع أصوات المجمع الانتخابي.
- المجمع الانتخابي: تتألف هذه الهيئة من 538 ناخبًا، مقسّمين حسب الولايات بناءً على عدد السكان. يختلف عدد الناخبين الرئاسيين من ولاية إلى أخرى، حيث تمتلك كاليفورنيا مثلاً 55 صوتًا، بينما تمتلك ولايات صغيرة مثل فيرمونت ووايومنج ثلاثة أصوات فقط. ويمثل كل ناخب رئاسي جزءًا من الأصوات في المجمع الانتخابي، وتحتاج أي حملة رئاسية إلى جمع 270 صوتًا على الأقل للفوز بالرئاسة.
- نظام “الفائز يأخذ الكل”: تعتمد معظم الولايات نظام “الفائز يأخذ الكل”، حيث يحصل المرشح الذي يفوز بالأغلبية في الولاية على جميع أصواتها في المجمع الانتخابي، بغض النظر عن نسبة الفوز. فقط ولايتي نبراسكا وماين تعتمدان نظام توزيع الأصوات على نحو نسبي، حيث يمكن تقسيم الأصوات حسب النتيجة.
- اجتماع المجمع الانتخابي والتصديق: بعد الانتخابات الشعبية، يجتمع الناخبون الرئاسيون في ديسمبر للتصويت رسميًا لاختيار الرئيس ونائب الرئيس. ثم يتم إرسال النتائج إلى الكونغرس ليتم التصديق عليها رسميًا في يناير. يتم إعلان الرئيس الفائز رسميًا ويؤدي اليمين في 20 يناير.
- أهمية المجمع الانتخابي: أُنشئ المجمع الانتخابي في الأصل كوسيلة لتوزيع القوة الانتخابية بالتساوي بين الولايات الكبيرة والصغيرة، مما يضمن أن كل ولاية لها تأثير نسبي. إلا أن هذا النظام أحيانًا يؤدي إلى نتائج حيث يفوز مرشح بالرئاسة رغم خسارته التصويت الشعبي، كما حدث مع دونالد ترامب في انتخابات عام 2016.
النظام الانتخابي الرئاسي الأمريكي فريد من نوعه مقارنة بالأنظمة الأخرى حول العالم، ويتميز بعدة جوانب تجعله مختلفًا عن الأنظمة التي تعتمد على التصويت الشعبي المباشر. فيما يلي أبرز الميزات التي تجعل هذا النظام مميزًا:
1. المجمع الانتخابي
- يعد المجمع الانتخابي الركيزة الأساسية لنظام انتخاب الرئيس في الولايات المتحدة. بدلاً من الاعتماد على التصويت الشعبي المباشر فقط، يستخدم النظام الأمريكي “المجمع الانتخابي”، وهو هيئة تضم 538 ناخبًا يمثلون الولايات المختلفة حسب عدد سكان كل ولاية.
- يحتاج المرشح إلى الحصول على 270 صوتًا من أصوات المجمع الانتخابي للفوز بالرئاسة. وكل ولاية لديها عدد معين من الأصوات بناءً على عدد سكانها، مما يضمن تمثيلًا متوازنًا بين الولايات الكبيرة والصغيرة. على سبيل المثال، تتمتع ولاية كاليفورنيا بأكبر عدد من الأصوات الانتخابية (55)، بينما تمتلك ولايات صغيرة مثل وايومنغ ثلاثة أصوات فقط.
2. نظام “الفائز يأخذ الكل”
- تتبع معظم الولايات في الولايات المتحدة نظام “الفائز يأخذ الكل” (Winner-Takes-All)، بمعنى أن المرشح الذي يفوز بأغلبية الأصوات الشعبية في الولاية يحصل على جميع أصواتها الانتخابية. هذا النظام يُعتمد في 48 ولاية، باستثناء نبراسكا وماين، حيث توزع الأصوات بناءً على نسبة التصويت في كل دائرة انتخابية.
- هذا النظام يؤدي في بعض الحالات إلى فوز مرشح بالمجمع الانتخابي على الرغم من خسارته للتصويت الشعبي العام، كما حدث في انتخابات عام 2016.
3. التصويت الشعبي غير المحدد للرئيس مباشرة
- في الأنظمة الأخرى، مثل بعض الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية، يعتمد انتخاب الرئيس على التصويت الشعبي المباشر حيث يفوز المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة من الأصوات العامة. أما في النظام الأمريكي، فإن التصويت الشعبي يحدد فقط أصوات المجمع الانتخابي في كل ولاية، مما يجعل نتائج المجمع الانتخابي هي التي تحدد الرئيس، وليس مجموع الأصوات الشعبية على مستوى البلاد.
4. تركيز كبير على الولايات المتأرجحة
- بسبب نظام المجمع الانتخابي، تركز الحملات الانتخابية بشكل كبير على “الولايات المتأرجحة” أو ما يعرف بالولايات التي قد تتغير توجهاتها بين الحزبين في كل انتخابات. من هذه الولايات على سبيل المثال بنسلفانيا، ميشيغان، ويسكونسن، وجورجيا. هذه الولايات تلعب دورًا محوريًا في تحديد الفائز النهائي، حيث يمكن أن تغير نتيجة السباق بشكل كبير.
5. التصويت المبكر والبريد
- النظام الانتخابي الأمريكي يسمح بالتصويت المبكر وبالتصويت عبر البريد، مما يتيح للناخبين التصويت قبل يوم الانتخابات الرسمي. وهذا النظام انتشر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل جائحة كوفيد-19، مما زاد من معدلات المشاركة وأتاح للناخبين خيارات أكثر للقيام بواجبهم الانتخابي.
6. التصديق الرسمي من الكونغرس
- بعد تصويت المجمع الانتخابي في ديسمبر، يتم إرسال النتائج إلى الكونغرس، حيث يُصدق عليها في جلسة مشتركة بين مجلسي النواب والشيوخ في شهر يناير، قبل أن يؤدي الرئيس المنتخب اليمين الدستورية في 20 يناير. هذه الخطوة تعتبر رسمية وتأكيدية للنتائج.
7. الطعون القانونية وإعادة الفرز
- يتيح النظام الأمريكي مساحة للطعن في النتائج أو إعادة الفرز في حالات الشك أو الفروقات الضيقة جدًا بين المرشحين، كما حدث في الانتخابات الرئاسية لعام 2000 بين جورج بوش الابن وآل غور. يمكن للمرشحين الطعن أمام المحاكم في نتائج بعض الولايات، وهذا يعطي النظام طابعًا قانونيًا قويًا.
مقارنة بالنظم الانتخابية الأخرى
بالمقارنة، تعتمد العديد من الدول على نظام الانتخاب المباشر حيث يفوز المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة من الأصوات مباشرةً بالرئاسة، دون الحاجة إلى مجمع انتخابي. النظام الأمريكي، بفضل المجمع الانتخابي ونظام الفائز يأخذ الكل، يركز بشكل كبير على الولايات وليس على التصويت الشعبي على مستوى البلاد، مما يجعله نظامًا فريدًا في العالم.
لماذا تعتبر انتخابات 2024 سابقة تاريخية؟
تحمل هذه الانتخابات طابعًا تاريخيًا مزدوجًا، حيث يمكن أن تنطوي على حدثين غير مسبوقين:
- كامالا هاريس كرئيسة: إذا فازت هاريس، ستكون أول امرأة تتولى رئاسة الولايات المتحدة، وكذلك أول رئيسة من أصول أفريقية وآسيوية. يأتي ذلك بعد أن شغلت منصب نائب الرئيس مع جو بايدن، لتكسر بذلك عدة حواجز اجتماعية وثقافية في السياسة الأمريكية. هذه النتيجة ستكون لحظة تاريخية ملهمة للنساء والأقليات العرقية، حيث تعزز تمثيلهم في أعلى منصب سياسي في البلاد.
- عودة دونالد ترامب للرئاسة: في حال فاز ترامب، سيصبح أول رئيس في العصر الحديث يعاد انتخابه بعد انقطاع ولايته. عادةً ما يتقاعد الرؤساء بعد خسارة فترة ثانية، إلا أن ترامب يعود لينافس على الرئاسة بعد أربع سنوات من خروجه، مما يجسد ولاء قاعدته الانتخابية وتأثيره المستمر في الحزب الجمهوري. ويشكل ذلك عودة إلى سياسات “أمريكا أولاً” التي تميزت بها فترة رئاسته الأولى.
العوامل المؤثرة في الانتخابات الحالية
تأتي انتخابات 2024 وسط استقطاب غير مسبوق داخل الولايات المتحدة حول قضايا محورية تشمل الاقتصاد، والرعاية الصحية، وحقوق الأقليات، والسياسة الخارجية. وتشهد البلاد انقسامًا عميقًا، حيث يرى حوالي 75% من الأمريكيين أن هذه الانتخابات قد تحدد مستقبل الديمقراطية الأمريكية، في وقت تعتبره بعض القوى العالمية لحظة حاسمة للسياسة الدولية.
تأثير عالمي كبير
يتابع العالم نتيجة هذه الانتخابات باهتمام بالغ، خاصة القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. تؤثر هذه الانتخابات على ملفات هامة، مثل السياسة الخارجية تجاه الصين وتوجهات الحلف الأطلسي، بالإضافة إلى مستقبل العلاقات الاقتصادية والأمنية الدولية. على سبيل المثال، ستكون السياسات تجاه الصين والمحيط الهادئ على رأس أولويات أي إدارة جديدة، حيث سيتحدد موقف واشنطن من المنافسة مع بكين بناءً على هوية الرئيس المقبل.