دال ميديا: 18 يوليو/تموز 2012.. صباحٌ لم يكن كسابقيه في العاصمة السورية، حين دوّى تفجير ضخم في مبنى الأمن القومي، مستهدفًا كبار رجالات النظام السوري، في عملية وُصفت بأنها الأخطر منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. الحادثة التي هزّت البلاد لم تكن مجرد تفجير أمني، بل حدثًا مفصليًا في الحرب الدائرة، حيث قُتل في الانفجار مسؤولون كبار كان لهم دور أساسي في إدارة الأزمة، فيما بقيت هوية المنفذ الحقيقي محل جدل حتى اليوم.
13 عامًا بعد التفجير.. تصريحات جديدة تُعيد الجدل
اليوم، وبعد أكثر من عقد على الاستهداف، عاد وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم الشعار ليُحرك المياه الراكدة، بعد تسليمه نفسه للسلطات الجديدة. تصريحاته الأخيرة التي أدلى بها لقناة “العربية” كشفت تفاصيل غير مسبوقة عن تفجير “خلية الأزمة”، وعن دوره في ذلك اليوم الذي كاد أن يُنهي حياته، حيث كان الناجي الوحيد من بين كبار المسؤولين الحاضرين في الاجتماع.
الشعار أكد في حديثه أن الاجتماع الذي تعرض للهجوم كان يضم خمس شخصيات فقط داخل مكتب الأمن القومي السوري في دمشق، وهم:
- العماد داود راجحة – وزير الدفاع
- العماد آصف شوكت – نائب وزير الدفاع وصهر الأسد
- اللواء حسن تركماني – معاون نائب رئيس الجمهورية
- اللواء هشام الاختيار – رئيس مكتب الأمن القومي
- اللواء محمد إبراهيم الشعار – وزير الداخلية
وأفاد بأن راجحة وشوكت لقيا حتفهما على الفور، بينما أصيب الآخرون بجروح خطيرة، وأُعلن لاحقًا عن وفاتهم.
من المستفيد من العملية؟
ورغم أن النظام السوري حمّل في حينه “أعداء سوريا” مسؤولية التفجير، إلا أن الرواية الرسمية لم تُقنع الجميع، خاصة بعد مزاعم أميركية تحدثت عن دور النظام نفسه في التخلص من بعض القادة العسكريين غير المرغوب فيهم.
بحسب تقرير سابق نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن الأسد لم يكن راضيًا عن توجهات آصف شوكت، الذي قيل إنه كان يميل إلى التفاوض مع قادة المعارضة المسلحة، وهو ما لم يكن مقبولًا داخل أروقة النظام. التقرير أشار إلى أن الاستخبارات السورية هي من دبرت التفجير، وأن الهدف الرئيسي كان إقصاء شوكت من المشهد السياسي والعسكري.
وفي الوقت الذي يدّعي فيه النظام أنه ألقى القبض على منفذ العملية، وهو النائب السابق في مجلس الشعب محمد زهير غنّوم، إلا أن القضية أُغلقت بسرعة دون كشف مزيد من التفاصيل، مما زاد من الشكوك حول الرواية الرسمية.
الشعار: “ضميري مرتاح”
أما محمد الشعار، الذي بقي خارج المشهد السياسي منذ خروجه من وزارة الداخلية عام 2018، فقد ظهر مؤخرًا في مقطع فيديو وهو يسلم نفسه طوعًا للسلطات السورية، مؤكدًا أنه ليس لديه ما يخفيه، وأنه تحت تصرف القانون.
وقال في تصريحه:
“كنت مجرد وزير للداخلية، ولم أكن مسؤولًا عن السجون غير الرسمية، بل فقط عن السجون النظامية. أنا اليوم جاهز للمحاسبة، وضميري مرتاح.”
الشعار.. رجل الأمن القوي وسجله في لبنان وسوريا
يُعرف الشعار بأنه أحد أبرز الوجوه الأمنية في النظام السوري، حيث شغل عدة مناصب حساسة قبل تعيينه وزيرًا للداخلية في عام 2011، بعد أسابيع فقط من اندلاع الاحتجاجات الشعبية.
ومن أبرز محطاته الأمنية:
- مسؤول الأمن السوري في طرابلس اللبنانية خلال الثمانينيات، حيث قاد عمليات أمنية واسعة النطاق.
- رئيس فرع الأمن العسكري في طرطوس وحلب، ثم رئيس فرع المنطقة 227 التابعة لشعبة المخابرات العسكرية.
- قاد العمليات الأمنية في مجزرة باب التبانة في طرابلس عام 1986، والتي راح ضحيتها نحو 700 مدني.
- كان من بين المتهمين في قمع التمرد في سجن صيدنايا عام 2008.
- تولى وزارة الداخلية أثناء قمع الاحتجاجات في سوريا، مما جعله هدفا للعقوبات الدولية التي فُرضت عليه منذ عام 2011.
ما وراء تسليم الشعار نفسه؟
في ظل التغيرات التي تشهدها سوريا، ووسط حملات أمنية مكثفة في عدة مدن، يرى محللون أن تسليم الشعار نفسه قد يكون خطوة استباقية للحماية من أي محاسبة مستقبلية.
وفيما تؤكد التقارير أن الحكومة السورية الجديدة تسعى إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، فإن قضية “خلية الأزمة” قد تبقى إحدى أكثر الملفات غموضًا في تاريخ النزاع السوري، لا سيما في ظل غياب أي تحقيق رسمي مستقل حتى اليوم.
هل نشهد فتح ملف “خلية الأزمة” من جديد؟
مع حديث بعض الأصوات المعارضة والمراقبين الدوليين عن إمكانية إعادة فتح تحقيق مستقل حول تفجير 2012، يبقى السؤال: هل تُكشف الحقيقة يومًا ما؟ أم أن الملف سيبقى طي النسيان كما أراد له النظام؟
يبقى ذلك رهينًا بتطورات المشهد السياسي السوري، حيث لا تزال الملفات الأمنية الغامضة تُلقي بظلالها على مستقبل البلاد.