دال ميديا: تتجه ألمانيا إلى صناديق الاقتراع في انتخابات تشريعية توصف بأنها الأكثر أهمية منذ سنوات، وسط توقعات بأن الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) بزعامة فريدريش ميرتس سيتصدر النتائج، بينما يحقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AFD) اليميني الشعبوي صعودًا تاريخيًا يجعله ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء السويدية (TT).
عودة CDU إلى السلطة بقيادة ميرتس
منذ عام 2021، يقود المستشار أولاف شولتس الحكومة الألمانية بائتلاف يجمع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، وحزب الخضر (Die Grünen)، والحزب الديمقراطي الحر (FDP). غير أن سياسات حكومته لم تحظَ بدعم واسع، خصوصًا بسبب التباطؤ الاقتصادي وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، مما أدى إلى تراجع كبير في شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حيث تشير الاستطلاعات إلى حصوله على 15% فقط من الأصوات.
في المقابل، يستعد فريدريش ميرتس، زعيم CDU، لتولي المستشارية في حال تمكن من تشكيل تحالف حاكم، وهو ما سيعيد الحزب الديمقراطي المسيحي إلى السلطة بعد أربع سنوات من غياب أنجيلا ميركل. ووفقًا للمحللين، فقد نجح ميرتس في تحريك الحزب نحو اليمين، مما أكسبه أصوات الناخبين المحافظين الغاضبين من سياسات شولتس، خصوصًا فيما يتعلق بالهجرة والأمن والاقتصاد.
صعود غير مسبوق لحزب AFD اليميني المتطرف
المفاجأة الأكبر في هذه الانتخابات، وفقًا لوكالة (TT)، هي حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD)، الذي يتوقع أن يحصد أكثر من 21% من الأصوات، أي ضعف نتيجته في انتخابات 2021 عندما حصل على 10.4% فقط. هذا التقدم الكبير يجعله ثاني أكبر حزب في البرلمان الألماني بعد CDU، مما يزيد المخاوف حول تنامي التيارات اليمينية المتطرفة في البلاد.
ويحظى حزب AFD بدعم قوي في شرق ألمانيا، حيث ترتفع معدلات البطالة وتنتشر مشاعر السخط ضد سياسات الهجرة. وبحسب المحللين، فإن نجاح AFD قد يعقد جهود تشكيل الحكومة، حيث ترفض معظم الأحزاب الكبرى التعاون معه بسبب مواقفه المتطرفة.
التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية للانتخابات
تأتي هذه الانتخابات في وقت تشهد فيه ألمانيا تباطؤًا اقتصاديًا حادًا، إذ انكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.3% في عام 2023، وسط ارتفاع التضخم وتراجع الإنتاج الصناعي. ويرى المحللون أن أي حكومة جديدة ستواجه تحديات اقتصادية كبرى، من بينها تحفيز النمو، وخفض الاعتماد على الطاقة الروسية، وإدارة الإنفاق العسكري المتزايد بسبب التوترات مع روسيا.
من ناحية أخرى، يلعب الدور الألماني في الناتو والاتحاد الأوروبي دورًا رئيسيًا في هذه الانتخابات، خصوصًا في ظل احتمالية تقليص الدعم الأمريكي لأوروبا، وهو ما يدفع بعض الدول الأوروبية إلى الاعتماد أكثر على ألمانيا كقوة عسكرية واقتصادية رائدة في القارة.
يقول البروفيسور آن-كريستين كولن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة غوتنبرغ، في تصريحات نقلتها وكالة (TT):
“لدى ألمانيا القدرة على أن تصبح القوة المحورية في أوروبا، لكن ذلك يعتمد على استقرار الحكومة الجديدة واستعدادها لتحمل مسؤوليات دولية أكبر”.
كيف ستؤثر نتائج الانتخابات على الجاليات الأجنبية في ألمانيا؟
تثير الانتخابات الألمانية اهتمامًا واسعًا بين المجتمعات المهاجرة، لا سيما الجالية الكردية و التركية والعربية، حيث تشكل السياسات المتعلقة بالهجرة والاندماج والإسلاموفوبيا قضايا رئيسية تؤثر على حياتهم اليومية.
- الخوف من تصاعد العنصرية: مع الصعود الكبير لحزب AFD، يشعر الكثير من المهاجرين، خصوصًا من أصول عربية وإسلامية، بالقلق من أن تتجه السياسات الألمانية إلى مزيد من التضييق على حقوقهم، سواء فيما يتعلق بالحصول على الجنسية أو الاندماج في سوق العمل.
- التأثير على سياسات اللجوء: CDU و AFD يروجان لسياسات أكثر تشددًا تجاه اللجوء والهجرة غير الشرعية، مما قد يؤدي إلى تقليص فرص اللجوء في المستقبل.
- الوضع الاقتصادي: مع الركود الحالي، يواجه العديد من المهاجرين صعوبات في إيجاد فرص عمل مستقرة، خصوصًا أن بعض الأحزاب اليمينية تطالب بإعطاء الأولوية للمواطنين الألمان في سوق العمل.
- السياسات الاجتماعية: الحكومة القادمة قد تتخذ إجراءات جديدة فيما يتعلق بالتعليم، ودعم اللغات الأم، والحقوق الدينية، وهو ما قد يؤثر على المدارس الإسلامية والمساجد والمجتمعات المحلية للمهاجرين.
ما الذي سيحدث بعد الانتخابات؟
وفقًا لوكالة (TT)، من المتوقع أن تكون المفاوضات حول تشكيل الحكومة صعبة ومعقدة، حيث لن يتمكن أي حزب من الحكم بمفرده. السيناريوهات المطروحة تشمل:
- تحالف بين CDU والحزب الديمقراطي الحر (FDP) وحزب الخضر، وهو ما قد يعيد تشكيل المشهد السياسي تمامًا.
- تحالف CDU مع حزب SPD في ما يسمى بـ “التحالف الكبير”، وهو أمر ممكن لكنه غير مضمون بسبب الخلافات الحادة بين الطرفين.
- إمكانية حدوث أزمة سياسية إذا فشل أي حزب في تشكيل ائتلاف مستقر، مما قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة.
ترقب وانتظار حتى إعلان النتائج النهائية
تغلق صناديق الاقتراع الساعة 18:00 بالتوقيت المحلي، وعندها ستصدر النتائج الأولية التي تكون عادة قريبة جدًا من النتائج النهائية. جميع الأنظار تتجه الآن إلى برلين لمعرفة ما إذا كان ميرتس سيصبح المستشار الجديد، وكيف سيؤثر صعود AFD على مستقبل ألمانيا السياسي.
يبقى السؤال الأكبر: هل نحن أمام تحول سياسي كبير في ألمانيا؟