اغتصب زميلته… والقاضي أعفاه من العقوبة حتى لا يتضرر مستقبله كطبيب نساء

حكم قضائي يُبرّئ مغتصبًا لحماية مستقبله المهني.

دال ميديا: أثار حكم صادر عن محكمة بلجيكية موجة غضب واسعة في البلاد، بعد أن قررت المحكمة إدانة طالب طب يبلغ من العمر 24 عامًا بارتكاب جريمة اغتصاب، دون أن تفرض عليه أي عقوبة جنائية. القضية تعود إلى خريف عام 2023، حين حضرت طالبة جامعية حفل “هالوين” في مدينة لوفين، المعروفة بأنها إحدى أبرز المدن الطلابية في بلجيكا. بعد الحفل، تعرّضت الطالبة للاعتداء الجنسي من قبل زميلها، الذي يدرس الطب ويتخصص في مجال أمراض النساء والتوليد. المحكمة، التي ثبت لديها وقوع الجريمة، وصفت الحادثة بأنها “خطيرة وغير مقبولة”، لكنها اختارت نهجًا غير معتاد في التعامل مع الجريمة، وفقا لوسائل إعلام محلية.

القرار القضائي استند إلى ما وصفه القاضي بـ”الظروف المخففة”، حيث أشار إلى أن الشاب المدان يتمتع بسمعة جيدة، وأنه “ذكي وملتزم في حياته الدراسية والخاصة”، على حد تعبيره. واعتبرت المحكمة أن إصدار حكم بالسجن قد يضر بمستقبله المهني كطبيب، وقد يحول دون حصوله على وظيفة في المستقبل. وبدلاً من الحكم عليه بالسجن أو تقييد سجله الجنائي، تم الاكتفاء بتغريمه مبلغًا ماليًا تجاوز 40 ألف كرونة سويدية، دون تسجيل إدانة جنائية في ملفه الشخصي.

غياب العقوبة الفعلية أثار ردود فعل غاضبة، خاصة بعد أن بات من الممكن قانونيًا لهذا الطالب التقدّم في المستقبل للعمل داخل عيادات نسائية أو في مراكز طبية متخصصة بصحة المرأة، دون أن يظهر في سجله ما يدل على إدانته بجريمة جنسية. بالنسبة للكثيرين، فإن مجرد التفكير في أن شخصًا أُدين باغتصاب يمكن أن يُسمح له بممارسة مهنة تتطلب ثقة تامة من المريضات، أمر يبعث على القلق الشديد ويطرح تساؤلات أخلاقية عميقة.

رد الفعل الشعبي لم يتأخر. في مدينة لوفين، حيث وقعت الجريمة، خرجت مظاهرات غاضبة ضمّت مئات الطلاب والناشطات في مجال حقوق المرأة. كما نُظّمت احتجاجات متفرقة في مدن أخرى، وسط دعوات لإصلاح النظام القضائي وتغييره بما يضمن العدالة للضحايا ويضع حدًا لما وصفه المحتجون بـ”ثقافة الإفلات من العقاب” في قضايا العنف الجنسي.

المنظمات الحقوقية لم تتردد في وصف الحكم بأنه يعكس خللًا مؤسسيًا عميقًا في كيفية تعامل بلجيكا مع قضايا الاعتداءات الجنسية. منظمة العفو الدولية (أمنستي) أكدت في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية أن بلجيكا لا تزال تواجه فجوات خطيرة في التصدي للعنف الجنسي، مشيرة إلى أن أقل من 10% فقط من حالات الاغتصاب يتم الإبلاغ عنها، وأن أكثر من نصف القضايا المبلغ عنها تُغلق دون توجيه اتهام، وأن نسبة الإدانة في القضايا التي تصل إلى المحاكم تبقى ضئيلة للغاية.

الحالة أثارت جدلًا حادًا داخل الأوساط القانونية والطبية على حد سواء. فبينما يرى البعض أن القضاة يجب أن يراعوا الظروف الشخصية للمتهمين، يرى آخرون أن أي تبرير لعدم معاقبة مغتصب مُدان يمثل تهديدًا مباشرًا لمصداقية القانون وعدالة المجتمع. كما عبّر عدد من الأطباء والمتخصصين عن رفضهم القاطع لفكرة السماح لشخص مدان بجريمة اغتصاب بمتابعة دراسته في اختصاص على تماس مباشر مع أجساد النساء وحياتهن.

بالنسبة للكثيرين، لم تكن القضية مجرد حكم قضائي مثير للجدل، بل مرآة تعكس واقعًا أكثر تعقيدًا وألمًا: واقع تُمنح فيه الأولوية لمستقبل الجاني، على حساب معاناة الضحية، وكرامة النساء. في نظرهم، لا يكفي أن تعترف المحكمة بالذنب، ما لم تقترن الإدانة بعدالة حقيقية تطبّق على الجميع بلا تمييز، ولا تُفرّق بين طالب طموح ومواطن عادي.

المزيد من المواضيع