بينما يحتدم السباق نحو البيت الأبيض، لم يعد النقاش محصورًا في السياسات الاقتصادية والاجتماعية فقط، بل دخلت الصحة والقوة والسن على خط المنافسة بين المرشحين. نائب الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، والرئيس السابق، دونالد ترامب، يخوضان معركة ليس فقط لكسب أصوات الناخبين، ولكن أيضًا لإثبات جاهزيتهما الجسدية والعقلية لقيادة البلاد.
الوضع الصحي: شفافية هاريس وتكتم ترامب
أثار فريق كامالا هاريس الجدل حول الحالة الصحية لدونالد ترامب، متهمًا إياه بعدم الشفافية بشأن ملفه الصحي. في المقابل، نشر البيت الأبيض السبت (12 أكتوبر 2024) تقريرًا طبيًا شاملًا حول صحة هاريس، مؤكداً أنها “تتمتع بصحة ممتازة”، وذلك في إطار محاولة حملتها لإبراز الفارق الصحي بين هاريس وترامب، الذي يكبرها بـ20 عامًا.
وأكد طبيبها، جوشوا سيمونز، أن هاريس، البالغة من العمر 59 عامًا، تتمتع بلياقة بدنية وعقلية تجعلها مؤهلة تمامًا لتأدية واجبات الرئاسة. وشدد التقرير على أن الفحص الطبي الأخير الذي خضعت له في أبريل الماضي كان “طبيعيًا”، باستثناء حساسية موسمية وطفح جلدي يمكن السيطرة عليهما بسهولة، إضافة إلى قصر نظر طفيف.
على الجانب الآخر، سارعت حملة ترامب بالرد على هذه الاتهامات، مشيرة إلى أن الرئيس السابق، البالغ من العمر 78 عامًا، يتمتع بصحة “مثالية”، وذلك رغم تحفظه على نشر تقرير طبي حديث. ترامب، الذي أصيب برصاصة في محاولة اغتيال فاشلة في يوليو 2024، أظهر تعافيًا سريعًا وفقًا لتصريحات طبيبه السابق روني جاكسون، الذي أكد أن ترامب “في حالة جيدة للغاية” بعد الحادث.
القدرة على التحمل: هاريس في مواجهة ترامب
فيما يتعلق بالقوة البدنية والقدرة على التحمل، تبرز حملتا المرشحين تناقضات لافتة. فريق ترامب يُروج لفكرة أن الرئيس السابق يمتلك قدرة تحمل فائقة، مشيرًا إلى جدول حملته المزدحم والمكثف، والذي يوصف بأنه “نشط بشكل غير مسبوق” في التاريخ السياسي الأمريكي. وتستخدم حملة ترامب هذا الزخم للنيل من هاريس، متهمة إياها بأن جدولها أقل نشاطًا وأنها “تفتقر إلى القدرة على التحمل” التي يتمتع بها ترامب.
في المقابل، تسعى حملة هاريس لاستثمار هذا النقاش لصالحها من خلال إبراز فارق العمر بين المرشحين كعامل مؤثر، وتسلط الضوء على أن هاريس، البالغة من العمر 59 عامًا، ما زالت في أوج لياقتها البدنية والعقلية، مقارنةً بترامب الذي أصبح أكبر مرشح رئاسي سناً في تاريخ الولايات المتحدة بعد انسحاب الرئيس جو بايدن.
السياسات والتأثير الاجتماعي: انقسامات حادة
إلى جانب الجوانب الصحية، هناك اختلافات جذرية في السياسات والمواقف بين المرشحين. ففي خطاب ألقاه ترامب خلال تجمع في كواتشيلا، كاليفورنيا، أعاد تركيز النقاش حول الهجرة، مهاجمًا هاريس واتهمها بتنظيم “غزو” للولايات المتحدة. ووعد بعمليات ترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين فور عودته إلى السلطة. وتأتي هذه التصريحات في ظل تأكيده على استعادة سيادة البلاد من خلال سياسات هجرة صارمة، وهو ما يراه أنصاره أساسيًا لحماية “الحضارة الأميركية”.
من جهة أخرى، تركز هاريس في حملتها على قضايا المساواة الاجتماعية، حقوق الإنسان، وتطوير الاقتصاد الأخضر. وتعتبر هذه الموضوعات أساسية لجذب الناخبين الأصغر سنًا والمهتمين بالقضايا البيئية، بينما يسعى ترامب لإثارة مشاعر القلق بشأن الأمن والهجرة، وهي قضايا استثمر فيها خلال ولايته السابقة.
استطلاعات الرأي والانطباعات الشعبية
بحسب استطلاع أجراه معهد غالوب في 10 أكتوبر 2024، فإن 41% من الناخبين يعتبرون ترامب “أكبر سناً من أن يصبح رئيساً”، بينما يرى 37% نفس الشيء بخصوص هاريس، وهو رقم لم يتغير كثيرًا منذ بدء حملتها الانتخابية. ويبدو أن مسألة السن والصحة العقلية قد بدأت تؤثر على نظرة الناخبين تجاه المرشحين، لكن استطلاعات الرأي تظهر تقاربًا بينهما، ما يشير إلى أن صحة المرشحين قد تصبح قضية محورية في الأيام المقبلة.
خاتمة: معركة ليست فقط في صناديق الاقتراع
يتضح أن سباق الرئاسة لعام 2024 لم يعد يقتصر على الخطط والسياسات المستقبلية، بل أصبح صراعًا على الأهلية البدنية والعقلية للمرشحين. وبينما تصر كامالا هاريس على الشفافية وتقديم تقارير طبية مفصلة، يحاول دونالد ترامب التركيز على قوة شخصيته وقدرته على الاستمرار في جدول حملته المزدحم، مستهدفًا بذلك تعزيز صورته كقائد لا يكل ولا يمل.
الأيام المقبلة قد تشهد تطورات جديدة، لكن يبقى السؤال الكبير: هل ستكون الصحة واللياقة هي العامل الحاسم في تحديد الرئيس القادم للولايات المتحدة؟