ستوكهولم: في تحول دراماتيكي للأحداث، نجحت هيئة تحرير الشام (HTS)، المصنفة كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في إحكام سيطرتها على سوريا بعد استيلائها المفاجئ على العاصمة دمشق. هذه الجماعة التي كانت تُعرف سابقًا باسم جبهة النصرة وارتبطت بتنظيم القاعدة، أعادت تشكيل هويتها منذ عام 2017، محاولةً تقديم نفسها ككيان أكثر اعتدالًا ومرونة في التعامل مع الواقع السياسي والمجتمعي في سوريا. مع هذا التحول الكبير، تتزايد التساؤلات حول مستقبل سوريا تحت حكم هذه الجماعة، وما إذا كان هذا التغيير يعكس تحولًا حقيقيًا أم مجرد مناورة سياسية.
التحول من الجهادية إلى البراغماتية
كانت هيئة تحرير الشام في البداية جزءًا من الحركات الجهادية السلفية التي تسعى إلى إقامة نظام حكم إسلامي متشدد. بعد فك ارتباطها بتنظيم القاعدة عام 2017 وتغيير اسمها، بدأت الهيئة في اتباع نهج جديد يظهر بعض مظاهر الاعتدال والبراغماتية. هذا النهج يُظهر فهمًا للضرورة الملحة لإدارة المناطق التي تحت سيطرتها بفعالية، مع محاولة التكيف مع الضغط المحلي والدولي.
وفقًا للباحث نانار هواش من جامعة أوبسالا، تُظهر الهيئة قدرة على مراجعة استراتيجياتها واحتواء الأجنحة الأكثر تطرفًا داخلها. مثل هذه الخطوات تشير إلى محاولة إعادة صياغة صورتها كقوة سياسية بدلاً من كونها جماعة جهادية متشددة.
الحكومة الانتقالية: خطوة نحو الاستقرار أم تكتيك سياسي؟
بعد السيطرة على دمشق، أعلنت الهيئة عن تشكيل حكومة انتقالية بقيادة محمد البشير، الذي سيتولى مهام إدارة البلاد حتى مارس المقبل. وتهدف هذه الحكومة، حسب تصريحات البشير، إلى تحقيق “الاستقرار والهدوء” في سوريا بعد سقوط النظام السابق.
رغم هذه الوعود، تظل التساؤلات قائمة حول قدرة هيئة تحرير الشام على تنفيذ هذا الهدف. إدارة دولة بحجم وتعقيد سوريا تتطلب توازنًا دقيقًا بين القوى المحلية والإقليمية، إلى جانب كسب دعم السكان المحليين الذين عاشوا سنوات من الصراع والتوتر.
التعامل مع الأقليات: اختبار حقيقي للتغيير
تُعد سوريا بلدًا متعدد الطوائف والأعراق، يضم أقليات كالمسيحيين، الأكراد، العلويين، والدروز. على الرغم من خلفيتها الإسلامية المتشددة، حاولت هيئة تحرير الشام في السنوات الأخيرة تقديم صورة أكثر تسامحًا تجاه الأقليات.
خلال عملياتها في إدلب والمناطق المحيطة، أشارت التقارير إلى أن الجماعة امتنعت عن ارتكاب انتهاكات كبيرة ضد الأقليات، وأظهرت بعض المرونة في التعامل مع السكان المحليين. وفقًا لتصريحات من قادة الهيئة، فإنهم يسعون إلى ضمان حقوق جميع السوريين تحت حكم إسلامي معتدل.
النهج البراغماتي: بين الضرورة والتحدي
البراغماتية التي أظهرتها الهيئة تعكس إدراكًا لأهمية التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية المحلية والدولية. على عكس تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي تجاهل تمامًا مطالب السكان المحليين، يبدو أن هيئة تحرير الشام تستمع إلى المجتمع المدني وتحاول التفاعل معه.
ومع ذلك، يشير الباحثون إلى أن هذا النهج البراغماتي قد يكون مدفوعًا بالضرورة وليس بالتغيير الجوهري. الهيئة بحاجة إلى كسب شرعية محلية ودولية لإدارة سوريا، وهو أمر يعتمد على قدرتها على تقديم نموذج حكم مستقر ومتوازن.
التحديات المستقبلية: هل يمكن أن تستمر؟
رغم محاولات هيئة تحرير الشام لتقديم صورة جديدة، إلا أنها تواجه تحديات هائلة:
- الاعتراف الدولي: يظل المجتمع الدولي مترددًا في التعامل مع الهيئة نظرًا لتاريخها الجهادي وعلاقتها السابقة بتنظيم القاعدة.
- إدارة التنوع الطائفي: على الرغم من وعودها بالتسامح، فإن أي فشل في إدارة التنوع السوري قد يؤدي إلى تصعيد التوترات المحلية.
- الاستقرار الاقتصادي: سوريا تعاني من انهيار اقتصادي حاد، وهو تحدٍ كبير لأي حكومة، خاصة مع العقوبات الدولية المفروضة.
هل يمكن للهيئة أن تصبح قوة سياسية شرعية؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة الهيئة للمرحلة الانتقالية. إذا نجحت في تحقيق الاستقرار وضمان حقوق الأقليات، فقد تكون قادرة على تغيير صورتها محليًا ودوليًا. ومع ذلك، فإن تاريخها وهويتها الجهادية سيظلان عقبة كبيرة أمام قبولها كقوة سياسية شرعية.
المصدر: tv4