كشف تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن تورط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) سرًا في دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، والتي دخلت عامها الثالث وسط تكاليف بشرية فادحة.
وأكد التقرير أن الشراكة الاستخباراتية بين واشنطن وكييف تعتبر أساسية في قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، حيث تقدم “سي آي إيه” ووكالات الاستخبارات الأمريكية الأخرى معلومات استخباراتية لكييف حول الضربات الصاروخية الروسية وتتبع تحركات القوات الروسية ودعم شبكات التجسس بالبلاد.
وقد اتضح أن هذه الشراكة لم تنشأ في زمن الحرب، بل كانت فكرة ترسخت قبل عقد من الزمن، وتم تنفيذها في فترات متقطعة خلال عهد ثلاثة رؤساء أمريكيين مختلفين.
وبفضل هذه الشراكة، تحولت أوكرانيا، التي كانت تُعتبر معرضة للخطر بشكل كامل من قبل روسيا، إلى واحدة من أهم شركاء واشنطن الاستخباراتيين في مواجهة الكرملين.
ووفقًا لـ”نيويورك تايمز”، تم الكشف عن هذه التفاصيل بعد إجراء أكثر من 200 مقابلة مع مسؤولين حاليين وسابقين في أوكرانيا والولايات المتحدة وأوروبا.
وأوضح التقرير أن هناك موقعًا للتنصت في إحدى الغابات الأوكرانية يتم فيه تتبع أقمار التجسس الروسية والتنصت على المحادثات بين القادة الروس، ويعد جزءًا من شبكة من قواعد التجسس التي تدعمها “سي آي إيه”، والتي تم إنشاؤها في السنوات الثماني الماضية وتضم 12 موقعًا سريًا على طول الحدود الروسية.
وفي عام 2016، بدأت “سي آي إيه” في تدريب قوة كوماندوز أوكرانية من النخبة، وقد استولت هذه الوحدة في ذلك الوقت على طائرات مسيرة روسية ومعدات اتصالات، حيث قام الفنيون التابعون لوكالة الاستخبارات المركزية بإجراء هندسة عكسية لها واختراق أنظمة التشفير في موسكو.
وتشير التقارير إلى أن “سي آي إيه” قد ساعدت أيضًا في تدريب جيل جديد من الجواسيس الأوكرانيين الذين عملوا داخل روسيا وعبر أوروبا وفي كوبا وأماكن أخرى توجد فيها الروس بشكل كبير.
وتتسم العلاقة بين وكالة الاستخبارات المركزية وكييف بالقوة الشديدة لدرجة أن ضباط الوكالة ظلوا موجودين في أحد الأماكن في غرب أوكرانيا عندما قامت إدارة الرئيس جو بايدن بإجلاء الموظفين الأمريكيين في الأسابيع التي سبقت الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022. وخلال الغزو، نقل الضباط معلومات استخباراتية مهمة للقادة الأوكرانيين، بما في ذلك الأماكن التي كانت روسيا تخطط لشن ضربات وهجمات بها، وأنظمة الأسلحة التي تستخدمها موسكو.
وقال إيفان باكانوف، الذي كان آنذاك رئيس جهاز أمن الدولة الأوكراني: “لولا أولئك الضباط لما كان من الممكن أن تكون لدينا طريقة لمقاومة الروس أو التغلب عليهم”.
وأصبحت هذه الشبكات الاستخباراتية أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث أصبحت روسيا في موقف هجومي بينما أضحت أوكرانيا أكثر اعتمادًا على الهجمات التخريبية والضربات الصاروخية بعيدة المدى التي تتطلب جواسيس بعيدًا عن خطوط العدو.
ولطالما ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باللوم على وكالات الاستخبارات الغربية في التلاعب بكييف وزرع المشاعر المعادية لروسيا في أوكرانيا.
ووفقًا لمسؤول أوروبي كبير، فقرب نهاية عام 2021 كان بوتين يفكر فيما إذا كان سيشن غزوًا واسع النطاق على أوكرانيا عندما التقى برئيس أحد أجهزة التجسس الرئيسية في روسيا، الذي أخبره أن “سي آي إيه”، جنبًا إلى جنب مع جهاز الاستخبارات البريطاني “إم آي 6” كانا يسيطران على أوكرانيا و يحولانها إلى مركز للتخطيط للعمليات التي تشن ضد موسكو.
ولكن على الرغم من كل ذلك، فقد أشار تقرير “نيويورك تايمز” إلى أن المسؤولين الأمريكيين كانوا في كثير من الأحيان مترددين في المشاركة الاستخباراتية الكاملة مع أوكرانيا، حيث أن ثقتهم بالمسؤولين الأوكرانيين لم تكن قوية بما يكفي، كما أنهم كانوا قلقين من استفزاز الكرملين.
ومع ذلك، كانت هناك دائرة ضيقة من مسؤولي المخابرات الأوكرانية تتودد بشدة إلى وكالة الاستخبارات المركزية، وقد سلمت هذه الدائرة في عام 2015 مجموعة من الملفات السرية للغاية للأميركيين، تضمنت أسرارًا حول الأسطول الشمالي للبحرية الروسية، بما في ذلك معلومات مفصلة حول أحدث تصميمات الغواصات النووية الروسية.
وبعد ذلك، حصلت “س آي إيه” بانتظام على وثائق سرية خاصة بروسيا من أولئك المسؤولين بالمخابرات الأوكرانية.
وقال مسؤول أمريكي كبير سابق إن العلاقات الاستخباراتية بين واشنطن وكييف “أصبحت أقوى وأقوى بعد ذلك، لأن كلا الجانبين رأوا قيمة وأهمية ذلك الأمر، وأصبحت السفارة الأميركية في كييف أفضل مصدر للمعلومات والإشارات وكل شيء آخر عن روسيا”.
وأوضح التقرير أن “سي آي إيه” أشرفت على برنامج تدريبي أطلق عليه اسم “عملية السمكة الذهبية”، تم تنفيذه في مدينتين أوروبيتين لتعليم ضباط المخابرات الأوكرانية كيفية تقمص أدوار شخصيات مزيفة بشكل مقنع وسرقة الأسرار في روسيا ودول أخرى. وسرعان ما تم نشر ضباط “عملية السمكة الذهبية” في 12 قاعدة عمليات أمامية حديثة الإنشاء على طول الحدود الروسية.
وقال الجنرال فاليري كوندراتيوك، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية الأوكرانية: “من كل قاعدة، كان الضباط الأوكرانيون يديرون شبكات من العملاء الذين يجمعون المعلومات الاستخبارية داخل روسيا”.
وقامت “سي آي إيه” بتركيب معدات في هذه القواعد للمساعدة في جمع المعلومات الاستخبارية.
ومع ذلك، يتخوف ضباط الاستخبارات الأوكرانية الآن من تخلي “سي آي إيه” عنهم في الوقت الذي يدرس فيه الجمهوريون في مجلس النواب ما إذا كانوا سيقطعون مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية لكييف. وقال ضابط أوكراني كبير: “لقد حدث ذلك في أفغانستان من قبل وسيحدث الآن في أوكرانيا”.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط